كتاب تاريخ معالم المدينة المنورة قديما وحديثا

55…
" الباب الثالث " " تاريخ المسجد النبوي "
ولما قام نبينا صلوات الله وسلامه عليه من قباء قاصداً المدينة المنورة على ناقته، كانت كل قبيله تعرض عليه النزول عندها فكان يقول لهم:" دعوها فإنها مأمورة ". يقصد بها ناقته المباركة، فلما أتت الناقة موضع مسجده صلوات الله وسلامه عليه بركت وهو عليها، وفي رواية بركت في موضع عائشة الذي قبض فيه صلى الله عليه وسلم (1)، ثم قامت من غير أن تزجر وسارت غير بعيد ثم بركت تجاه دار أبي أيوب الأنصاري فنزل فيه صلوات الله وسلامه عليه وأقام فيه مايقرب من سنة وفي اليوم الثاني لنزوله بدار أبي أيوب الأنصاري عزم على أن يبني مسجده الشريف النبوي عند الموضع الذي بركت فيه ناقته أولا وكان مربداً يجفف فيه التمر لسهل ولسهيل، غلامين يتيمين من الأنصار كانا في حجر أسعد بن زرارة فساومهما النبي صلى الله عليه وسلم فيه فقالا بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ابتاعه منهما وكان جداراً ليس له سقف وكان فيه شجر غرقد ونخل وقبور للمشركين فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبور فنبشت وبالنخل والشجر فقطعت وصفت في قبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني فيه مع الصحابة ويقول وهو يعمل معهم " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار وللمهاجرة ". وكان السبب في عدم قبول الرسول صلى الله عليه وسلم العرصة للمسجد الشريف النبوي من سهل وسهيل أنهما كانا دون البلوغ وأن عطاءهما لا يقبل…
__________
(1) لما بركت ناقته صلى الله عليه وسلم في مبركها عند موضع مسجده وثبت مرة أخرى فسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به ثم التفتت خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة كما ثبت ذلك في رواية عن مالك. إلا أن ابن سعد ذكر أن سعد بن زرارة أخذ بزمام الناقة فكانت عنده. ويورد صاحب سبل الهدى والرشاد أن الناقة بعد مبركها الأول انبعثت حتى استناخت عند موضع المنبر من المسجد ثم تلحلحت فنزل عنها.

الصفحة 55