كتاب تاريخ معالم المدينة المنورة قديما وحديثا

7…
" تقديم "
" تاريخ معالم المدينة المنورة قديماً وحديثاً"
لبعض المدن والمناطق والأجواء. شخصية مستقلة متميزة في التاريخ يستطيع الباحث المدقق أن يستشف عناصرها الأساسية الخاصة بها. في كل مرحلة من مراحلها التاريخية، وأن يلمح سماتها المتميزة، حتى في أشد عصور الظلام والتدهور وهذه العناصر الأساسية، ترتكز في الغالب على تراث حضاري خاص يطبع كل مظهر من مظاهرها بطابع خاص، هو في حقيقته امتداد أو تقلص للتفاعلات الثقافية والتاريخية والاقتصادية في كيانها الروحي والمادي. وهي بين هاتين الظاهرتين: الامتداد ـ التقلص، تعيش عبر القرون، محتفظة بجلالها وشموخها متحدية بهدوئها، وسكونها وصمتها العميق المعبر، كل الأحداث التي تحاول أن تعصف بها أو على الأقل تحاول أن تحول بينها وبين التفاعل الحي مع معطيات عصرها، ومكاسب الثقافات الجديدة الوافدة إليها وهذه الشخصية المستقلة المتميزة، لبعض المدن، والمناطق والأجواء، هي التي تمنحها الخلود، وتجعل منها بالرغم من جبالها الصم، وسهولها الجرداء ـ منادي حب وشوق، ومنابع وحي وإلهام. يعيش على ذكراها وأحلامها وأشواقها، عدد كبير من أولئك الذين يهتمون بالمثل العليا ويتخذون من حبها والتغزل بها، والحنين إليها، رمزاً لأشواقهم الظامئة إلى المجهول وهيامهم المتأجج بالنهائية، فـ (نجد) مثلا هذه الربوة الشامخة الملهمة، من جزيرة العرب عاشت على مدى الزمن، وهي تستهوي الأخيلة وتأسر القلوب وتستبي الأرواح، وهي مجرد جبال جرد وسهول ظامئة، وصحارى تنداح على مدى البصر، إلى نهاية الأفق الممتد البعيد، وليس بالقليل، أن نجد كثيراً من الشعراء كـ (صردر) و (ابن التعاويذي) و (الطغرائي) وعددا آخر لا يكاد يحصى من الشعراء. الذين لم تكتحل عيونهم بمرآى نجد، أو تخطر لهم زيارتها على بال، أقول: ليس بالقليل لا في اتجاهات الفن، ولا في معايير التاريخ…

الصفحة 7