كتاب تاريخ معالم المدينة المنورة قديما وحديثا

8…أن نجد هؤلاء الشعراء وهم يهيمون بنجد، وصبا نجد، وعرار نجد، وكل ما يتصل بنجد من قريب أو بعيد .. دون أن يشدهم إليها، غير هذه الشخصية الآسرة المحببة، والتراث الروحي الضخم، الذي يحمل الأجيال، شذا الشوق واللهفة وعبير المحبة والحنين. فالشخصية المستقلة المتميزة، هي العنصر الأساسي، الذي يتحدى التاريخ ويتغلب على كل عناصر الموت والفناء. أما بقية التفاصيل، فقد تكون ذات فائدة، وفائدة كبيرة أحياناً، ولكنها على أي حال لا يمكن إلا أن تكون مجرد ملابسات وظواهر لا تغني أبداً عن العنصر الأساسي، عنصر الشخصية المستقلة المتميزة. ومن هذه الزاوية المضيئة نظر السيد أحمد ياسين الخياري رحمه الله إلى تاريخ المدينة المنورة. ومن هذه النقطة، انطلق في بحثه العميق المركز، عن آثارها .. وهذا يدل على مدى فهمه، واستيعابه، لفلسفة التاريخ، والعناصر الأساسية التي يرتكز عليها. فالقيمة الحقيقية، لمدينة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، هي في (آثارها) الحية، التي لاتزال حتى الآن تتضوع بعبير المجد، وتشرق بأضواء الخلود أما بقية أحداثها التاريخية التي لاتتصل بالإسلام فهي لاتختلف في خطوطها العريضة عن الأحداث التي قد تقع لأية مدينة من المدن، في أي بقعة من بقاع العالم، وفي أية فترة من فترات التاريخ. فـ (جبل أحد) مثلاً وهو عنصر مهم من العناصر الأساسية، التي يتكون تاريخ المدينة ليس مجرد جبل، يكفي فيه، أن تصفه وأن تؤرخ للأحداث التي وقعت حوله، ولكنه قطعة حية من التاريخ، تعود بك بضعة عشر قرناً، إلى الوراء لتعيش مع مصابيح الهدى، رضوان الله عليهم أجمعين، وهم يسيرون تحت قيادة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعيش المعركة ـ معركة أحد ـ بكافة تفاصيلها لأنك تقف في الميدان الذي وقعت فيه هذه المعركة قبل هذه الفترة الطويلة من الزمن. أما ما انبثق عن هذه المعركة من فقه وهدي وتشريع، وتوجيهات سياسية وعسكرية واقتصادية فذلك وحده موسوعة ضخمة، قد لا يستطيع عقل بشري واحد أن يستوعبها ويتفهمها كما ينبغي أن تفهم وتستوعب ـ بالإضافة إلى أن…

الصفحة 8