كتاب مختصر الفتاوى المصرية

عَن التَّكْذِيب والهم بِالْحَسَنَة أَو السَّيئَة أَو غير ذَلِك وَالله أعلم
قَوْله فِي حَدِيث أبي بكر رَضِي الله عَنهُ اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا وانه لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت فَاغْفِر لي مغْفرَة من عنْدك وارحمني إِنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم
قَالَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ هَذَا عبد اعْترف بالظلم ثمَّ التجأ إِلَيْهِ مُضْطَرّا لَا يجد لذنبه سائرا غَيره ثمَّ سَأَلَهُ مغْفرَة من عِنْده وَلَكِن أَرَادَ شَيْئا من عِنْده والأشياء كلهَا من عِنْده وَلَكِن أَرَادَ شَيْئا محصوصا لَيْسَ مِمَّا يذكر للعامة فَللَّه رَحْمَة قد عَمت الْخلق برهم وفاجرهم سعيدهم وشقيهم ثمَّ لَهُ رَحْمَة خص بهَا الْمُؤمنِينَ خَاصَّة وَهِي رَحْمَة الْإِيمَان ثمَّ لَهُ رَحْمَة خص بهَا الْمُتَّقِينَ وَهِي رَحْمَة الطَّاعَة لله تَعَالَى وَللَّه رَحْمَة خص بهَا الْأَوْلِيَاء نالوا بهَا الْولَايَة وَله رَحْمَة خص بهَا الْأَنْبِيَاء ونالوا بهَا النُّبُوَّة وَقَالَ الراسخون فِي الْعلم {وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة} فَسَأَلُوهُ رَحْمَة من عِنْده
فَهَذَا صُورَة مَا شَرحه وَلم يذكر صفة الظُّلم وأنواعه كَمَا ذكر صفة الرَّحْمَة وليعلم أَن الدُّعَاء الَّذِي فِيهِ اعْتِرَاف العَبْد بظلمه لنَفسِهِ لَيْسَ من خَصَائِص الصديقين وَمن دونهم بل هُوَ من الْأَدْعِيَة الَّتِي يَدْعُو بهَا الْأَنْبِيَاء وهم أفضل الْخلق قَالَ الله تَعَالَى عَن آدم وحواء {قَالَا رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا} وَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {رب إِنِّي ظلمت نَفسِي} والخليل عَلَيْهِ السَّلَام {رَبنَا اغْفِر لي ولوالدي} {وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي يَوْم الدّين} وَقَالَ هُوَ وَإِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام {رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم} الى قَوْله {وَتب علينا} وَقَالَ يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} وَثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ ظلمت نَفسِي وَاعْتَرَفت بذنبي فَاغْفِر لي

الصفحة 103