كتاب مختصر الفتاوى المصرية

وَقد قَالَ الْأَئِمَّة كل أحد يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك إِلَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلِهَذَا اتّفق الْأَئِمَّة على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعْصُوم فِيمَا يبلغهُ عَن ربه وَقد انفقوا على أَنه لَا يقر على الْخَطَأ فِي ذَلِك وَكَذَلِكَ لَا يقر على الذُّنُوب لَا صغائرها وَلَا كبائرها
وَلَكِن تنازعوا هَل يَقع من الْأَنْبِيَاء بعض الصَّغَائِر مَعَ التَّوْبَة مِنْهَا أَولا يَقع بِحَال
فَقَالَ بعض متكلمي الحَدِيث وَكثير من الْمُتَكَلِّمين من الشِّيعَة والمعتزلة لَا تقع مِنْهُم الصَّغِيرَة بِحَال وَزَاد الشِّيعَة حَتَّى قَالُوا لَا يَقع مِنْهُم لَا خطأ وَلَا غير خطأ
وَأما السّلف وَجُمْهُور أهل الْفِقْه والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَجُمْهُور متكلمي أهل الحَدِيث من الأشعرية وَغَيرهم فَلم يمنعوا وُقُوع الصَّغِيرَة إِذا كَانَ مَعَ التَّوْبَة كَمَا دلّت عَلَيْهِ النُّصُوص من الْكتاب وَالسّنة فَإِن الله يحب التوابين
وَإِذا ابتلى بعض الأكابر بِمَا يَتُوب مِنْهُ فَذَاك لكَمَال النِّهَايَة لَا لنَقص الْبِدَايَة كَمَا قَالَ بَعضهم لَو لم تكن التَّوْبَة أحب الْأَشْيَاء إِلَيْهِ لما ابتلى بالذنب أكْرم الْخلق عَلَيْهِ
وَأَيْضًا فالحسنات تتنوع بِحَسب المقامات كَمَا يُقَال حَسَنَات الْأَبْرَار سيئات المقربين
فَمن فهم مَا تمحوه التَّوْبَة وَمَا ترفع صَاحبهَا إِلَيْهِ من الدَّرَجَات وَمَا يتَفَاوَت النَّاس فِيهِ من الْحَسَنَات والسيئات زَالَت عَنهُ الشّبَه فِي هَذَا الْبَاب وَأقر الْكتاب وَالسّنة على مَا فِيهَا من الْهدى وَالصَّوَاب
فَإِن الغلاة يتوهمون أَن الذَّنب إِذا صدر من العَبْد كَانَ نقصا فِي حَقه لَا ينجبر حَتَّى يجْعَلُوا من لم يسْجد لضم أفضل مِنْهُ وَهَذَا جهل فَإِن الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار الَّذين هم أفضل هَذِه الْأمة هم أفضل من أَوْلَادهم وَغير أَوْلَادهم مِمَّن ولد على

الصفحة 107