كتاب مختصر الفتاوى المصرية

وَقَوله تَعَالَى {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت} يتَضَمَّن الْبَرَاءَة مِمَّا سوى الله من الْآلهَة الْبَاطِلَة سَوَاء قدر هوى النَّفس أَو طَاعَة الْخلق أَو غير ذَلِك بِخِلَاف آدم فَإِنَّهُ اعْترف أَولا بِذَنبِهِ فَقَالَ رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا لِأَنَّهُ لم يكن عِنْده شئ من مُنَازعَة الْإِرَادَة لما أَمر الله بِهِ مَا يزاحم الإلهية بل ظن صدق إِبْلِيس فَنَاسَبَ رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا فيكوننا قبلنَا تغريره بِنَا وَمَا أظهر من نصحنا فَقَصره فَكَانَ مُحْتَاجين إِلَى أَن يربيهما بربوبتيه بِكُل حَال فَلَا يغترا بِمثل ذَلِك فشهدا حاجتهما إِلَى ربهما الَّذِي لَا يقْضِي حاجتهما غَيره
وَهَذَا مبْنى على القَوْل بالعصمة
وَالنَّاس متفقون عَليّ أَن الآنبياء معصومون فِيمَا يبلغون عَن الله فَلَا يقرونَ فِي ذَلِك على خطأ بِاتِّفَاق الْمُسلمين لَكِن هَل يتَصَوَّر مَا يَسْتَدْرِكهُ الله فَينْسَخ مَا يلقى الشَّيْطَان وَيحكم الله آيَاته فَهَذَا فِيهِ قَولَانِ
والمأثور عَن السّلف يُوَافق الْقُرْآن بذلك
وَأما الْعِصْمَة فِي غير مَا يتَعَلَّق بتبليغ الرسَالَة فللناس فِيهِ نزاع هَل هُوَ ثَابت بِالْعقلِ أَو بِالسَّمْعِ ومتنازعون فِي الْعِصْمَة من الكباذر والصغاذر أَو من بَعْضهَا وَهَذِه الْعِصْمَة إِنَّمَا هِيَ فِي الإفرار عَلَيْهَا لافي فعلهَا أم لَا يجب القَوْل بالعصمة إِلَّا فِي التَّبْلِيغ فَقَط وَهل تجب الْعِصْمَة من الْكفْر والذنُوب قبل الْبعْثَة أم لَا
وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور الْمُوَافق للأثر إِثْبَات الْعِصْمَة من الْإِقْرَار على الذُّنُوب مُطلقًا
وَقَول من يجوز إقرارهم عَلَيْهَا وحجج الْقَائِلين بالعصمة إِذا حررت إِنَّمَا تدل عَليّ هَذَا القَوْل وحجج النفاة لَا تدل على وُقُوع ذَنْب أقرّ عَلَيْهِ الأنبياد فَإِن وُقُوع الذَّنب إِذا لم يقر عَلَيْهِ لم يحصل بِهِ تنفير وَلَا نقص فَإِن التَّوْبَة النصوح بِرَفْع اله بهَا صَاحبهَا أَكثر مِمَّا كَانَ أَولا وَكَذَلِكَ التأسي بالأنبياء إِنَّمَا هُوَ فِيمَا أقرُّوا عَلَيْهِ بِدَلِيل النّسخ وَنَحْوه

الصفحة 136