كتاب مختصر الفتاوى المصرية

إِنَّا نَسْأَلك خير هَذِه الرّيح وَخير مَا أرْسلت بِهِ ونعوذ بك من شَرها وَشر مَا أرْسلت بِهِ
فَهَذِهِ هِيَ السّنة فِي أَسبَاب الْمخبر وَالشَّر أَن يفعل العَبْد عِنْده هَذِه الْأَسْبَاب مَا علمه الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أما الْأَسْبَاب الَّتِي تخفى فَلَيْسَ العَبْد مَأْمُورا بِأَن يتَكَلَّف مَعْرفَتهَا بل يَتَّقِي الله وَيفْعل مَا أمره بِهِ فان فعل كَفاهُ الله مُؤنَة الشَّرّ وَيسر لَهُ أَسبَاب الْخَيْر قَالَ تَعَالَى {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب} وَفِي سنَن أبي دَاوُد من اقتبس شُعْبَة من النُّجُوم فقد اقتبس شُعْبَة من السحر
وَالسحر محرم بِالْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
وَذَلِكَ أَن النُّجُوم الَّتِي هِيَ من السحر نَوْعَانِ
أَحدهمَا على وَهُوَ الِاسْتِدْلَال بحركات النُّجُوم على الْحَوَادِث من جنس الاستسقام بالأزلام
وَالثَّانِي عَمَلي وَهُوَ الَّذِي يَقُولُونَ فِيهِ إِنَّه تَأْثِير القوى السماوية بالقوى المنفعلة الأرضية كالطلاسم وَنَحْوهَا وَهَذَا من أرفع أَنْوَاع السحر
وكل مَا حرمه الله وَرَسُوله فضرره أعظم من نَفعه
فَالثَّانِي وَإِن نوهم المتوهم أَن فِيهِ تقدمة للمعرفة بالحوادث وَأَن ذَلِك ينفع فالجهل فِي ذَلِك أظهر ومضرة ذَلِك أعظم
وَلِهَذَا فقد علم بالتواتر أَن مَا يحكم بِهِ المنجمون يكون الْكَذِب فِيهِ أَضْعَاف الصدْق وهم فِي ذَلِك من نوع الْكُهَّان
وَلما ناظرت بِدِمَشْق من حضرني من رُؤَسَائِهِمْ وبينت لَهُ فَسَاد صناعتهم بالأدلة قَالَ وَالله إِنَّا لنكذب مائَة كذبة حَتَّى نصدق فِي وَاحِدَة وَذَلِكَ أَن مَبْنِيّ علمهمْ على أَن الحركات العلوية هِيَ السَّبَب فِي الْحَوَادِث وَالْعلم بِالسَّبَبِ يُوجب الْعلم بالمسبب وَهَذَا إِنَّمَا يكون إِذا علم السَّبَب التَّام
وَهَؤُلَاء أَكثر مَا يعلمُونَ إِن علمُوا جُزْءا يَسِيرا من جملَة الْأَسْبَاب الْكَثِيرَة

الصفحة 151