كتاب مختصر الفتاوى المصرية

فَإِذا لم يكن فِيهَا حَدِيث صَحِيح فضلا أَن يكون فِيهَا أَخْبَار متواترة أَو مستفيضة امْتنع أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جهر بهَا فَلَا يُعَارض ذَلِك كَون عدم الْجَهْر مِمَّا تتوفر الدَّوَاعِي على نَقله هُوَ فِي الْأُمُور الوجودية فَأَما العدمية فَلَا وَلَا ينْقل مِنْهَا إِلَّا مَا ظن وجوده أَو احْتِيجَ وجوده إِلَيّ مَعْرفَته وَلِهَذَا لَو نقل ناقل افتراض صَلَاة سادسة أَو صوما زَائِدا أوحجا أَو زِيَادَة فِي الْقِرَاءَة أَو فِي الرَّكْعَات لقطعنا بكذبه وَإِن كَانَ عدم ذَلِك لم ينْقل نقلا متواترا قطعا
يُوضحهُ أَنهم لم ينقلوا الْجَهْر بالاستفتاح والاستعاذة وَقد استدلت الْأمة على عدم جهره بذلك وَإِن كَانَ لم ينْقل عدم الْجَهْر نقلا عَاما فبالطريق الَّتِي يعلم عدم جهره بذلك بِعلم عدم جهره بالبسملة هَذَا وَجه
الثَّانِي أَن الْأُمُور العديمة لما احْتِيجَ إِلَى نقلهَا نقلت فَلَمَّا انقرض عصر الْخُلَفَاء رَضِي الله عَنهُ سَأَلَ النَّاس أنسا رَضِي الله عَنهُ حِين جهر بهَا بعض الْأَئِمَّة كإبن الزبير فَأخْبرهُم أنس رَضِي الله عَنهُ بترك الْجَهْر
الثَّالِث أَن نفى الْجَهْر قد نقل صحيحاض صَرِيحًا فِي غير حَدِيث والجهر لم ينْقل نقلا صَحِيحا مَعَ أَن الْعَادة توجب نقل الْجَهْر دون عَدمه كَمَا قدمْنَاهُ
وَمن تدبر هَذِه الْوُجُوه وَكَانَ عَالما بالأدلة قطع بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يجْهر بهَا
وَهل هَذَا إِلَّا بِمَثَابَة من نقل أَنه كَانَ يجْهر بالاستفتاح مَعَ أَن بعض الصَّحَابَة كَانَ يجْهر بِهِ كَمَا كَانَ فيهم من يجْهر بالبسملة وَنحن نعلم بالاضطرار أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يجْهر بالاستفتاح وَلَا بالاستعاذة كَمَا يجْهر بِالْفَاتِحَةِ فَكَذَلِك الْبَسْمَلَة لم يكن يجْهر بهَا مَعَ أَنه قَالَ قد كَانَ يجْهر بهَا أَحْيَانًا وَأَنه كَانَ يجْهر بهَا قَدِيما ثمَّ ترك ذَلِك كَمَا روى أَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ أَنه كَانَ يجْهر بهَا بِمَكَّة فإذاسمعه الْمُشْركُونَ سبوا الرَّحْمَن فَترك الْجَهْر فَمَا جهر بهَا بِمَكَّة حَتَّى مَاتَ فَهَذَا مُحْتَمل
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه كَانَ يجْهر بِالْآيَةِ أَحْيَانًا وَمثل جهر عمر رَضِي الله عَنهُ

الصفحة 47