كتاب مختصر الفتاوى المصرية

السَّادِس أَن مُعَاوِيَة لَو كَانَ رَجَعَ إِلَى الْجَهْر بالبسملة فِي أول الْفَاتِحَة وَالسورَة لَكَانَ ايضا مَعْرُوفا من أمره عِنْد أهل الشَّام الَّذين صحبوه وَلم يقنل هَذَا أحد من أهل الشَّام عَن مُعَاوِيَة بل الشاميون كلهم خلفاؤهم وعلماؤهم كَانَ مَذْهَبهم ترك الْجَهْر بل الْأَوْزَاعِيّ مذْهبه فِيهَا مَذْهَب مَالك لَا يقْرؤهَا سرا وَلَا جَهرا
فَمن تدبر ذَلِك قطع بِأَن حَدِيث مُعَاوِيَة إِمَّا بَاطِل لَا حَقِيقَة لَهُ وَإِمَّا مغير عَن وَجهه وَأَن الَّذِي حدث بِهِ بلغَة من وَجه لَيْسَ بِصَحِيح فحصلت الآفة من انْقِطَاع إِسْنَاده
وَقيل هَذَا الحَدِيث لَو كَانَ يقوم بِهِ الْحجَّة فَهُوَ شَاذ لِأَنَّهُ خلاف مَا رَوَاهُ النَّاس الاثبات عَن أنس وَعَن أهل الْمَدِينَة وَأهل الشَّام وَمن شَرط الحَدِيث أَن يكون شاذا وَلَا مُعَللا وَهَذَا شَاذ مُعَلل إِن لم يكن من سوء حفظ بعض رُوَاته
والعمدة الَّتِي اعتمدها المصنفون فِي الْجَهْر وَوُجُوب قرَاءَتهَا إِنَّمَا هُوَ كتَابَتهَا بقلم الْقُرْآن فِي الْمُصحف وَأَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم جردوا الْقُرْآن عَن غَيره والمتواتر عَن الصَّحَابَة أَن مَا بَين اللَّوْحَيْنِ قُرْآن
وَلَا يُقَال لَا يثبت إِلَّا بتواتر وَلَو تَوَاتَرَتْ لكفرنا فِيهَا لِأَنَّهُ لَا يُقَال لَو كَانَ كَذَلِك لكفر مثبتها وَلَا تَكْفِير من الْجَانِبَيْنِ فَكل حجَّة تقَابل الْأُخْرَى
وَالْحق أَنه آيَة للفصل بَين السُّور
والبسملة قيل لَيست من الْقُرْآن الا فِي سُورَة النَّمْل وَهُوَ قَول مَالك وَطَائِفَة من الْحَنَفِيَّة والحنبلية
وَقيل هِيَ من كل سُورَة آيَة أَو بعض آيَة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور عَن الشَّافِعِي
وَقيل إِنَّهَا من الْقُرْآن حَيْثُ كتبت وَمَعَ ذَلِك لَيست من السُّور بل كتبت آيَة فِي أول كل سُورَة وَكَذَلِكَ تتلى آيَة مُنْفَرِدَة فِي أول كل سُورَة كَمَا تَلَاهَا النَّبِي صلى الل عَلَيْهِ وَسلم حِين نزلت عَلَيْهِ سُورَة {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} كَمَا فِي صَحِيح مُسلم وَهُوَ قَول ابْن الْمُبَارك وَالْمَنْصُوص عَن أَحْمد وَهُوَ قَول من حقق القَوْل

الصفحة 51