كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور (اسم الجزء: 6)

الحرام قد يوهم (١) الاختصاص عقبه بقوله: {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل: ٩١]، ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: ٣]، فلما ذكر كفايته للمتوكِّل عليه، فربما أوهم ذلك تعجيل الكفاية وقت التوكل فعقبه بقوله: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: ٣] أي: وقتًا لا يتعدَّاه، فهو يسوقه [إلى وقته الذي قدّره له، فلا يستعجل المتوكل ويقول: قد توكلت، ودعوت فلم أر شيئًا، ولم تحصل لي] (٢) الكفاية، فاللَّه [بالغ] (٣) أمره في وقته الذي قدره له (٤)، وهذا كثيرٌ جدًا في القرآن والسنة، وهو باب لطيف من أبواب فهم النصوص.

[مما ينبغي للمفتي أن يذكر الحكم بدليله]
الفائدة السادسة: ينبغي للمفتي أن يذكر دليل الحكم، [ومأخذه] (٥) ما أمكنه من ذلك، ولا يلقيه (٦) إلى المستفتي ساذجًا مجردًا عن دليله ومأخذه، فهذا لضيق عطنه، وقلة بضاعته من العلم، ومن تأمل فتاوى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي قوله حجة بنفسه، رآها مشتملة على التنبيه على حكمة الحكم ونظيره، ووجه مشروعيته، وهذا، كما سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: "أينقصُ الرطب إذا جفَّ؟ قالوا: نعم، فزجر عنه" (٧)، ومن المعلوم أنه كان يعلم نقصانه بالجفاف، ولكن نبَّههم على علة التحريم وسببه (٨)، ومن هذا قوله لعمر، وقد سأله عن قُبلة امرأته وهو صائم فقال: "أرأيت لو تمضمضت، ثم مججته أكان يضر شيئًا قال: لا" (٩). فنبه على أن مقدمة المحظور لا يلزم أن تكون محظورة، فإن غاية القُبلة أنها مقدمة الجماع، فلا يلزم من تحريمه تحريم مقدمته، كما أن وضع الماء في الفم مقدمة
---------------
(١) في (ت): "ربوبية البلدة الحرام قد توهم"، وفي (ق): "فلما ذكر ربوبية للبلدة الحرام قد يوهم".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٤) بعدها في (ك): "فلا يستعجل المتوكل ويقول قد توكلت ودعوت فلم أر شيئًا ولم يحصل لي الكفاية واللَّه بالغ أمره في وقته الذي قدره له".
(٥) في (د): "ويأخذه".
(٦) في (ق): "فلا يلقيه".
(٧) سبق تخريجه.
(٨) قرر المصنف أنه لا فرق بين النهي عن بيع الرطب بالتمر أو بيع العنب بالزبيب في عدة مواضع من كتبه، منها: "تهذيب السنن" (٥/ ٣٢ - ٣٣)، وقد مضى ذلك في مواطن من كتابنا هذا.
(٩) سبق تخريجه.

الصفحة 49