كتاب العبرات للمنفلوطي

بَقِيَّة اَلْمُذَكِّرَات
لَمْ تَسْتَطِعْ مَرْغِرِيت يَا سَيِّدِي أَنْ تَكْتُب لَك أَكْثَر مِمَّا كَتَبَتْ لِأَنَّ اَلطَّبِيب مَنْعهَا اَلْحَرَكَة وَلَوْ إِرَادَتهَا لَعَجَزَتْ عَنْهَا.
أَتُذَكِّرُ يَا سَيِّدَيْ ذَلِكَ اَلْجِسْم اَلْغَضّ اَلنَّاعِم اَلَّذِي كَانَ يَمُوج بِالنُّورِ مَوْجًا وَيُشْرِق وَرَاء بَشَرَته إِشْرَاق اَلْخَمْر فِي كَأْسهَا لَقَدْ صَبَّحَ اَلْيَوْم عَظْمًا مُجَلَّدًا وَهَيْكَلًا قَائِمًا لَا يُسَاوِي ثَمَن نَظَر إِلَيْهِ!.
وارحمتاه لَك لَقَدْ مَاتَ كُلّ شَيْء فِيهَا إِلَّا قَلْبهَا وَشُعُورهَا وَلَيْتَهُمَا مَاتَا مَعًا فَإِنَّهَا لَا عَذَّبَهَا شَيْء مِثْل خَوَاطِرهَا وَأَفْكَارهَا.
وَلَا يَدْخُل مِنْ بَاب غُرْفَتهَا دَاخِل حَتَّى تَرْفَع نَظَرهَا إِلَيْهِ تَظُنّ أَنَّك قَدْ جِئْتهَا فَإِذَا دَنَا وَرَأَتْهُ أَطْبَقَتْ جَفْنَيْهَا عَلَى دَمْعَة تَنْحَدِر مِنْ بَيْنهمَا بِالرَّغْمِ مِنْهَا.
إِنَّهَا لَا تَتَكَلَّم كَثِيرًا فَإِذَا تَكَلَّمَتْ كَانَ أَوَّل حَدِيثهَا أَلَمْ يَأْتِ أَرْمَان فَإِذَا أَجَبْتهَا أَنْ لَا سَأَلَتْ عَنْ أَمْر آخَر تَتَلَهَّى بِهِ أَوْ عَادَتْ إِلَى ضَمَّتهَا مَرَّة أُخْرَى.
لَقَدْ رَابَهَا اَلْيَوْم أَنَّ طَبِيبهَا لَمْ يَأْتِهَا فَلَمَّا أَرَدْت أَنْ أَعْتَذِر لَهُ عَنْهُ لَمْ تَصْدُقنِي وَقَالَتْ اَلْآن عَرَفَتْ كَلِمَته اَلَّتِي أَلْقَاهَا إِلَيْك

الصفحة 178