كتاب العبرات للمنفلوطي

أيرحمها يَا سَيِّدِي قَالَ إِنَّهَا عَاشَتْ عَيْش اَلْآثِمِينَ وَلَكِنَّهَا سَتَمُوتُ مَوْت اَلْمُؤْمِنِينَ فَحَمِدَتْ اَللَّه عَلَى ذَلِكَ:
وَمُنْذُ تِلْكَ اَلسَّاعَة لَمْ أَعُدْ أَسْمَع مِنْهَا كَلِمَة وَاحِدَة وَلَا أَرَى عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا يَتَحَدَّك إِلَّا مَا كَانَ فِي صَدْرهَا يترجح بَيْن اَلصُّعُود وَالْهُبُوط.
فَبْرَايِر سَاعَة اَلْغُرُوب:
إِنَّ مَرْغِرِيت تَتَعَذَّب كَثِيرًا يَا سَيِّدِي وَأَحْسَب أَنَّهَا تُعَالِج سَكَرَات اَلْمَوْت.
لَمْ يُقَاسِ إِنْسَان فِي حَيَاته مِثْل مَا تُقَاسِيه اَلْآن مِنْ آلَامهَا وَأَوْجَاعهَا.
إِنَّهَا تَصْرُخ مِنْ حِين إِلَى حِين صَرَخَات تَذُوب لَهَا حَبَّات اَلْقُلُوب.
وَلَقَدْ اِشْتَدَّ بِهَا اَلْأَلَم اَلسَّاعَة فَهِبْت مِنْ مَكَانهَا صَارِخَة وانتثبت عَلَى قَدَمَيْهَا فِي سَرِيرهَا حَتَّى كَادَتْ تَيَقُّظ عَنْهُ فَأَدْرَكَتْهَا وأضجعتها فِي مَكَانهَا فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا فَسَقَطَتْ مِنْهُمَا دَمْعَتَانِ كَبِيرَتَانِ وَكَأَنَّمَا أَحَسَّتْ بِي فاعتنقتني وَضَمَّتْنِي إِلَيْهَا شَدِيدًا ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ تَرَاخَتْ يَدَاهَا وَعَادَتْ إِلَى نِزَاعهَا وَجِهَادهَا.
قُضِيَ اَلْأَمْر وَمَاتَتْ مَرْغِرِيت وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا عَلَى سَرِيرهَا إِلَّا جُثَّتهَا اَلَّتِي سَتَذْهَبُ إِلَى قَبْرهَا تِلْكَ غَايَتهَا وَغَايَة كُلّ حَيّ

الصفحة 180