كتاب شفاء العليل في اختصار إبطال التحليل - البعلي - ت العمران - ط عالم الفوائد
ذلك، ومعلوم أنهم لم يستحلوها تكذيبا لموسى وكفرا بالتوراة،
وإنما هو استحلال بتأويل واحتيال ظاهره ظاهر الاتقاء، وحقيقته
حقيقة الاعتداء؛ ولهذا - والله أعلم - مسخوا قردة؛ لأن صورة القرد
فيها شبه من صورة الانسان، وهو مخالف له في الحد والحقيقة،
فلما مسخوا دين الله بحيث لم يتمسكوا إلا بما يشبه الدين في بعض
ظاهره دون حقيقته، مسخهم الله قردة يشبهونهم في بعض ظواهرهم
دون الحقيقة جزاء وفاقاه
يقوي ذلك: أن بني إسرائيل أكلوا الربا وأكلوا أموال الناس
بالباطل كما قصه الله عنهم، ولم يمسخ منهم غير الذين اعتدوا في
السبت، مع أن أكل الربا عظم إثما؛ ولكن لما كانوا بمنزلة المنافقين،
وهم لا يعترفون بالذنب، بل فسدت عقيدتهم وأعمالهم، فكانوا
أعظم جرما من أولئك، كما قال أيوب (1): "لو أتوا الأمر على
وجهه كان أهون) ". فكانت عقوبتهم اعظم من عقوبة غيرهم، فان
من أكل الربا أو الصيد المحرم مع علمه بالتحريم، فقد اقترن
بمعصيته اعترافه بالتحريم، وهذا إيمان بالله واياته.
ويترتب على ذلك من خشية الله ورجاء مغفرته وإمكان التوبة
ما قد يفضي به إلى الخير، وأما من أكله مستحلا بنوع احتيال، فلا
يزال مصرا على الحرام مع اعتقاده الفاسد حل الحرام، وذلك
يفضي إلى شر طويل.
ولذلك حذر! و امته ذلك فقال: "لا ترتكبوا ما ارتكبت
__________
(1) هو السختياني، وتقدمت عبارته بتمامها.
36