كتاب الرد على الجهمية والزنادقة

قال: لا. قلنا: فكيف يكون في كل شيء غير مماس لشيء ولا مباين؟ فلم يحسن الجواب.
فقال: بلا كيف. فيخدع جهال الناس بهذه الكلمة وموه عليهم1.
فقلنا: أليس إذا كان يوم القيامة، أليس إنما هو في الجنة والنار والعرش والهواء2؟
__________
= أن يكون مماسًّا له، فإنه لا يعقل كون الشيء في الشيء إلا مماسًّا له أو مباينًا له، فإنه لما كان خطابه مع الجهمية الذين يقولون إنه في كل مكان ذكر أنه لابد من المماسة أو المباينة على هذا التقدير، وهو تقدير المحايثة، فإن أولئك لم يكونوا ينكرون دخوله في العالم، وإنما ينكرون خروجه.
1 قال ابن تيمية في "بيان تلبيس الجهمية" "553/2":
فبين أحمد أن هذه الكلمة إنما يقبلها الجهال فينخدعون بها، لأنهم يعتقدون أن ما ذكره هذا ممكن، وإن لم نعلم نحن كيفيته، وإنما كانوا جهالاً لأنهم خالفوا العقل والشرع، وقبلوا ما لا يقبل العقل، واعتقدوا هذا من جنس ما أخبر به الشارع من الصفات التي لا نعلم نحن كيفيتها.
2 قال ابن تيمية -رحمه الله- في "بيان تلبيس الجهمية" "557/2":
ثم ذكر أحمد الحجة الثانية فقال: قلنا لهم: إذا كان يوم القيامة أليس إنما الجنة أو النار والعرش والهواء. إلى آخره. فبيَّن أن موجب قولهم أن يكون بعضه على العرش، وبعضه في الجنة، وبعضه في النار، وبعضه في الهواء، لأن هذه هي الأمكنة التي ادعوا أن الله فيها فيتبعض ويتجزأ بتبعض الأمكنة وتجزيها، وذكر أنه عند ذلك تبين للناس كذبهم على الله، لأن الناس في الدنيا آمنوا بالغيب وبأمور أخرى لم يروها في الدنيا وسوف يرونها في الآخرة، فإن ظهر لهم أن هؤلاء يقولون إنه يكون في الآخرة، كما كان في الدنيا متفرقًا متجزءًا لم يمكن أن يراه أحد، ولا أن يحايث أحدًا، ولا أن يختص أولياؤه بالقرب منه دون أعدائه، بل يكون في النار مع أعدائه، كما هو في الجنة مع أوليائه، فظهر بذلك من كذبهم على الله ما لم يظهر بما ذكروه في أمر الدنيا.

الصفحة 160