كتاب الرد على الجهمية والزنادقة

قالوا: أموجود عن الله أنه خلق الخلق بقوله وبكلامه؟ وحين قال: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] .
فقالوا: إنما معنى: {قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ} يكون. قلنا: فلِمَ أخفيتم أن يقول له، فقالوا: إنما معنى كل شيء في القرآن معانيه، وقال الله مثل قول العرب: قال الحائط، وقالت النخلة فسقطت، فالجهمية لا يقولون بشيء، فقلنا: على هذا أفتيتم؟ قالوا: نعم.
فقلنا: فبأي شيء خلق الخلق إن كان الله في مذهبكم لا يتكلم؟
فقالوا: بقدرته. فقلنا: هي شيء؟ قالوا: نعم، فقلنا: قدرته مع
__________
= الأسماء بمعنى أنه خلقها في غيره لا بمعنى أنه نفسه تكلم بها الكلام القائم به، فالقول في أسمائه هو نوع من القول في كلامه.
ثم قال رحمه الله:
والمقصود هنا أن المعروف عند أئمة السنة إنكارهم على من قال: أسماء الله مخلوقة، وكان الذين يطلقون القول بأن الاسم غير المسمى هذا مرادهم.
وقال الدارمي -رحمه الله- في نقضه على المريسي الجهمي العنيد "161/1، 162":
فمن ادعى أن صفة من صفات الله تعالى مخلوقة أو مستعارة فقد كفر وفجر؛ لأنك إذا قلت: الله فهو الله. وإذا قلت: الرحمن فهو الرحمن. وهو الله. وإذا قلت: الرحيم فهو كذلك. وإذا قلت: حكيم حميد مجيد جبار متكبر قاهر قادر، فهو كذلك، وهو الله سواء. لا يخالف اسم له صفته ولا صفته اسْمًا.
ثم قال رحمه الله: والله تبارك وتعالى اسمه كأسمائه سواء، لم يزل كذلك ولا يزال، لم تحد له صفة، ولا اسم لم يكن كذلك قبل الخلق كان خالقًا قبل المخلوقين، ورازقًا قبل المرزوقين وعالِمًا قبل المعلومين، وسميعًا قبل أن يسمع أصوات المخلوقين، وبصيرًا قبل أن يرى أعيانهم مخلوقة.

الصفحة 164