كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)
قول الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. . .)، ألا إن هؤلاء هم المتقون الذين ينتفعون بهداية الله، وإنَّ علم الله تعالى وهدايته قد مثله النبي - صلى الله عليه وسلم - بغيث ينزل من السماء فيجيء إلى أرض طيبة فتنبت النبات الطيب، وينزل على أرض لَا تنبت، ولكن ينتقل منها إلى أخرى تنبت فيها النبات الطيب، وهناك أرض هي قيعان لَا تنبت، ولا ينتقل منها إلى غيرها (¬1).
ولقد ذكر الزمخشري في تنسيق هذه الآيات (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)
كلمات طيبة محققة مفادها أن قوله تعالى: (الم) جملة برأسها أو طائفة من حروف المعجم مستقلة بنفسها و (ذَلِكَ الْكِتَابُ) جملة ثانية، و (لا رَيْبَ فِيهِ) جملة ثالثة، و (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) رابعة، وقد أصاب بترتيبها من البلاغة، وموجب حسن النظم، حيث هي متناسقة هكذا من غير حرف نسق (أي عطف) وذلك لمجيئها متآخية آخذة بعضها بعنق بعض، فالثانية متحدة بالأولى معتنقة لها، وهَلُمَّ جرا إلى الثالثة، والرابعة.
بيان ذلك أنَّه نبَّه أولا على أنه الكلام المتحدى به، ثم أشار إلى أنه الكتاب المنعوت بغاية الكمال، فكان تقريرًا لجهة التحدي وشدا من أعضائه، ثم نفَى عنه أن يتشبث به طرف من الريب، فكان شهادة وتسجيلا بكماله، لأنه لَا كمال أكمل مما للحقِّ واليقين، ولا نقص أنقص مما للباطل والشبهة. وقيل لبعض العلماء: فيم لذتكَ؟ قال: في حجة تتبختر اتضاحا، وفي شبهة تتضاءل افتضاحًا.
¬________
(¬1) عن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " مَثَلُ مَا بَعَثني اللهُ به من الْهَدَى والْعلْم كمَثَلَ الغَيْث الكثيرِ أصَابَ أرضًا فكانَ منْها نَقيَّةٌ قبلتْ المَاءَ فانَبَتَتْ الكَلأ والعشْبَ الَكثَير، وكانتْ مَنها أجادبُ أمْسكَتْ المَاءَ فَنفَعَ اللهُ بهَا الناسَ فشرِبُوا وسقَوا وَزَرَعُوا، وأصابَتْ منها طائفَةٌِ أُخْرى إنَّما هِيِ قيعَان لا تُمْسكُ ماءً ولا تُنبت كَلأ، فَذَلكَ مَثَلُ منْ فَقُه في دينَ اللَّهُ به فَعَلمَ وَعَلَّمِ، وملْ من لَم يَرْفَع بذلكَ رأسا وَلَم يَقْبلْ هدى الله الَّذي أرسلتُ به " قالَ أبو عبدَ اللهَّ (أيً البخَاري): قال إسحَاقُ: " وكَانَ منْها طائفَة قبلتْ المَاء ". قاعٌَ: يًعْلُوهُ المَاءُ والصَّفْصَفُ: المُسْتَوي من الأرض [أخرجه البخاري: كتاب العَلم (77) ومسلم بنَحوه: الفضائل: (232 4) وأحمد: أول مسند الكوفيين (8752 1) واللفظ للبخاري].
الصفحة 102
5482