كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)

(وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) كانت الصفة الأولى للمتقين إيمانا بالغيب، وما يكنه من مستورات عن المحسوسات، تولد في النفس الخشية، والإحساس بحاجة الجسم إلى الروح، وبأن الروح فيما وراء المشاهد هي التي تسيِّر هذا الوجود الإنساني، وأن الله تعالى لم يخلق الإنسان إلا ليحاسب على ما قدم من شر أو خير، وأنه سيرى ما اكتسب إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
بعد ذكر هذه الصفة النفسية، ذكر صفتين أخريين تنبعثان من النفس، ولكنْ لهما مظهر عَملِي، وهما إقامة الصلاة والإنفاق مما رزقه الله سبحانه وتعالى.
والصلاة أصلها على وزن فَعْلَة، من صلى، فأصل الصلاة صَلْوة، فنقلت فتحة الواو إلى ما قبلها، فصارت صلاة، والصلاة كانت معروفة عند العرب بأنها الدعاء. ومنه قوله تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، وإطلاقها على الصلوات الخمس من قيام وقراءة، وركوع وسجود، وتحيات - اصطلاح إسلامي.
ولقد فسر بعض العلماء الصلاة هنا بالدعاء، أي الضراعة إلى الله تعالى، والاتجاه الروحي إليه راجيًا ما عنده مؤمنا به مستجيبا لقوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
ولكن الأكثرين - وهو الظاهر الذي يبدو من القول - على أن المراد بها الصلاة المكتوبة، وإن الاتجاه الروحي بالضراعة والدعاء تتضمنه الصلاة المكتوبة، وإن الصلاة قد فرضت في مكة، وصارت متعارفة، كغيرها من الكلمات التي كان في معناها عموم، ثم خصصها الإسلام.
وإقامة الصلاة الإتيان بها مستوية مقومة معدلة قد استوفت أركانها ظاهرا وباطنا، فكانت مشتملة على الخشوع والحضور، واستحضار عظمة الله تعالى في

الصفحة 105