كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)

الصلاة فتتجه قلوبهم إليه، وينفقون مما رزقهم الله تعالى على أنفسهم وعلى عباد الله تعالى إنفاقا في غير تبذير أو إسراف.
بعد ذلك بين الله تعالى أن من صفات هؤلاء المتقين أنهم من أجلِّ صفاتهم أنهم يؤمنون برسالات الله إلى خلقه بالكتب المنزلة التي أنزلها قبل القرآن، وبالقرآن المنزل من عند الله العلي الحكيم، ويؤمنون بالشرائع التي جاءت في القرآن الكريم وفى الكتب التي أنزلت، لَا يفرقون بين أحد من رسله، ولا بين كتاب من كتبه إلا أن يكون قد نسخ الله تعالى بعض أحكام في كتب أنزلها.
فقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) هم المتقون الذين يؤمنون ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، وتكرار (الاسم) الموصول في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) لَا يدل على المغايرة فيمن نزلت فيهم الآيات، إنما يدل على المغايرة في الصفات، وإن كان الموصوف واحدا، كما يقول الشاعر: إلى الملك القَرْمِ (¬1) وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المزدحم وقد ادعى بعض المفسرين أن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) إلى آخر الآية. إنما نزلت في اليهود الذين آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -: كعبد الله بن سلام وغيره، وينطبق عليهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ثَلاثَة يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرتيْنِ: رَجُل مِنْ أهْلِ الكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وآمَنَ بِي، ورَجُل مَمْلُوك أَدَّى حَقَّ اللَّه تَعَالَى وحَقَّ مَوَاليه، وَرَجُل أَدَّبَ جَارِيَتَهُ، فَأحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا (¬2).
والحق أن فصل (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) عن سياق ما قبلها من غير دليل - مُخَالَفَة لظاهر السياق من غير باعث يبعث على ذلك، والسياق واضح متسق
¬________
(¬1) القَرم: السيد العظيم، والجمع قروم. واستشهد به ابن كثير لمثل ما ذهب إليه المصنف رحمه الله تعالى.
(¬2) متفق عليه [أخرجه البخاري كتاب العلم (97)، ومسلم - واللفظ له - كتاب الإيمان (154)]. .

الصفحة 109