كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)
تكَذبوهم وَلا تُصَدِّقُوهُم، وَلَكِنْ قُولُوا آمَنَّا بالَّذي أُنْزِلَ إِلَيْنَا، والَّذي أُنْزِلَ إِلَيْكُم " (¬1).
وإن الإسلام دين الوحدانية، ودين الوحدة الإنسانية، ودين الرسالة الإلهية التي لَا تفرق بين نبي ونبي إلا في آيات الله تعالى المثبتة للرسالة التي تخص كل نبي، وكلها يجب الإيمان به وتصديقه، ومن لم يصدِّق فقد كفر.
ولقد قرر الله سبحانه وتعالى أن شأن أولئك المتقين (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) فهذا ما جاءت به الديانات الإلهية كلها، فأساس الإيمان في هذه الأديان، وفي كل دين حق أن يؤمن بأن الحياة الآخرة هي المآل، وأن الحياة الدنيا سبيل إلى الحياة الآخرة، ذلك أن هذه الحياة فيها تنازع الخير والشر، وأنه معتركها، وأن الشر كثيرا ما ينتصر على الخير فيها، فلابد للخير من أمل يكون فيه الانتصار للخير، وتجزى كل نفس ما كسبت؛ ولذلك كان الإيمان بالآخرة، إيمانا بانتصار الخير على الشر؛ ولذلك قال تعالى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ. . .).
وقوله تعالى: (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)، فيه الإيقان مصدر أيقن، وهو إحكام العلم وإتقانه، بحيث لَا يكون شك ولا ريب في أية ناحية من نواحيه، ولا أي حقيقة من حقائقه، وبمقدار قوة الإيمان بالآخرة تكون قوة الإيمان فمن كان مؤمنا بربه حق الإيمان كان مؤمنا بالآخرة كأنها عَيَان.
وقد أكد سبحانه ضرورة الإيمان بها في تقديم الجار والمجرور على الفعل، فإن التقديم فيه مزيد من الاهتمام بهذا اليقين، واختصاص، أي أنه لَا يؤمن إلا بالحياة الآخرة، وما فيها من جنة ونعيم، وبعث وحساب، وجحيم، كأنه رَأْيَ
¬________
(¬1) أخرجه البخاري: كتاب التفسير (4485)، وأخرجه أبو داود: كتاب العلم (3159)، وأحمد: مسند الشاميين (16592).
الصفحة 111
5482