كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 2)

قلبي على دينك " فقالت له يا رسول الله ما أكثر دعاءك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك؟ فقال: " يا أم سلمة، إنه ليس آدمي إلا وقلبه معلق بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ " (¬1).
(وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) هذا بقية الدعاء والضراعة التي تجري على ألسنة الراسخين في العلم، وهي من تعليم الله سبحانه وتعالى، وهذا الدعاء يتضمن طلب الرحمة، وقد تضمن الأول طلب تثبيت الإيمان، وهو أول أبواب الرحمة، والأصل لكل رحمة؛ فبعد أن علمنا الضراعة بأن لَا تميل قلوبنا، وجهِّنا لطلب الأثر كذَلك وهو الرحمة، ورحمة الله تفضُّل وإنعام على العبد؛ لأنه وما يملك ملك لله تعالى يتصرف فيه كما يتصرف المالك في ملكه، وليس لأحد عند رب العالمين حساب. والرحمة المطلوبة كلمة شاملة جامعة، فتجمع النصر في الدنيا والقرار والاطمئنان فيها، والنعيم في الآخرة. والتعبير بقوله تعالى: (مِن لَّدُنكَ) أي من عندك، وَلَدُن لَا تستعمل بمعنى عند إلا إذا كانت العندية في موضع خطير جليل عال. والمعنى على هذا أن الرحمة فيض من فيوض الله ينزل على عباده كما ينزل المطر من مرتفع السماء إلى الأرض. وقد ختمت الآية الكريمة بما يدل على أن هبة الرحمة شأن من شئون العلي القدير، ووصف من أوصافه، فقال سبحانه على ألسنة الضارعين المبتهلين: (إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) في هذا تأكيد رحمة الله تعالى بعدة مؤكدات، منها " إنَّ " التي للتوكيد، ومنها تأكيد الضميو بقوله " أنت " ومنها القصر، أي لَا يهب أحد سواك، وذلك بتعريف الطرفين، ومنها التعبير بصيغة المبالغة، وهي: الوهاب، وإنه سبحانه قد انفرد بالرحمة وهبة الرحمة لمن يشاء، وإن رحمته وسعت كل شيء.
* * *
¬________
(¬1) رواه الترمذي: الدعوات (3444) عن شهر بن حوشب رضي الله عنه، وأحمد: مسند الأنصار (25457).
(رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)
* * *
هذه هي الضراعة الثانية التي اقترنت بآية المحكم والمتشابه في القرآن، والكلام فيها كالكلام

الصفحة 1118