كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 2)

في الآية السابقة، من حيث كون هذا الدعاء من مقول الراسخين في العلم، أو تعليم من الله للراسخين في العلم من المؤمنين، وكلاهما ينتهي إلى أن هذه الضراعة إن صدرت عن القلب تكون مانعة له من الزيغ، فإن الإيمان باليوم الآخر لبُّ الإيمان، وهو يربي الإذعان، وفيه كل معاني التفويض، وبه يستعين المؤمن على محاربة داعي الهوى والشهوة. وقوله تعالى على لسان المؤمن الراسخ في العلم: (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ) تنبيه إلى أنه في هذا اليوم يتبين الحق، ويواجه الحق والمبطل، ويعلن الذين يزيغون والذين يذعنون، ويتبين زيغ الزائغ وجزاؤه، وثمرات الإيمان وجزاؤه. وفي هذا تنبيه أيضا إلى أن اليوم الآخر لا ينبغي أن يكون محلَّ ريب، لأن الذي أخبر به هو الذي خلق الخلق، فهو الذي بدأهم، وهو الذي يعيدهم، ولأنه سبحانه ما خلق الخلق عبثا، وما ترك الأمر للباطل والمبطلين يرتعون في الأرض ويفسدون، بل جعل للحق سلطانا، وجعل له العلو، فإن لم يكن في الحال، فإنه سيكون لَا محالة في المآل، والله على كل شيء قدير.
والأساس في العلم باليوم الآخر هو إخبار الله تعالى الذي لَا يحتمل إخلافا؛ ولذلك قال سبحانه بعد ذلك: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) أي إن اليوم الآخر الذي لَا ينبغي لمؤمن أن يرتاب فيه هو وعد الله الذي وعد به المتقين، ونذيره الذي أنذر به الجاحدين الضالين، والله سبحانه وتعالى لَا يخلف اليعاد. وفى هذه الجملة السامية (إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) إشارة إلى الجزاء الأخروي وما فيه من جزاء بعد الحساب، فهي تتضمن تبشيرا للمؤمنين، وإنذارا للعاصين الكافرين. جعلنا الله من المتقين المهتدين، الذين لَا يزيغون في فهم دينه، وتفهم قرآنه، والمذعنين للحق الطالبين له.
* * *
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ... (10)
* * *
كان السبب في كفر من كفر، وزيع من يزيغ، هو اغترارهم في هذه الحياة الدنيا بكثرة المال، وعزة النفر، وقوة العصبية، مما جعلهم يبغون على الناس، ويبغون على أنفسهم،

الصفحة 1119