كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 2)

فتطمس مسالك النور إلى قلوبهم؛ وإنه لَا شيء يُدَلِّي بالنفس فتعمى عن الإدراك
أكثر من الغرور؛ ولذلك ذكر سبحانه وتعالى أن هذه الأموال وأولئك الأولاد وإن كانوا العصبة أولي القوة لن تغني عنهم شيئاً. وقد أكد القول سبحانه في موضعين في قوله:
(إِنَّ الَّذينَ كَفَرُوا) وبهذا يؤكد سبحانه وقوع الكفر منهم، ويؤكد النفي سبحانه في قوله، (لَن تغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئَا) إذ نفي بـ: " لن "؛ فالخبران مؤكدان: الإثبات والنفي؛ فكفرهم وعدم نفع أعراض الدنيا مؤكدان، وكأن مجرى القول هكذا: غرتهم أماني الدنيا بالأموال والأولاد فكفروا كفراً مؤكدا مع أنه من المؤكد أنها لن تنفعهم بأي نفع، ولن يكون فيها ما يغني عن رحمة الله التي حرموها بسبب كفرهم المؤكد، وهنا بعض إشارات بيانية منها قوله: (لَن تُعْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ) فقد قال بعض المفسرين: إن معناها لن تدفع عنهم من عذاب الله شيئا. فـ تغني معناها تدفع، والدفع المنفي هو منع العذاب، ولكن كلمة تغني لَا تدل على معنى الدفع إلا على سبيل المجاز، الذي يرشح له ويقويه قوله تعالى: (مِّنَ اللَّهِ) و " من " هنا بمعنى البدلية، والمعنى يكون على هذا: لَا تكون الأموال والأولاد مغنية أي غناء ونافعة أي نفع بدل رحمة اللهِ تعالى وقدرته وإرادته ونفعه لعباده؛ فالغاية أن الأولاد والأموال لَا تجلب رحمة بدل رحمة الله تعالى ونفعه لعباده شيئا من الغَنَاء أو النفع.
ثم قوله في نفي نفع الأولاد بعد نفي نفع الأموال (وَلا أَوْلادُهُم) إشارة إلى أن قوة النفع بمقتضى الفطرة والعادات الجارية في الأولاد أكثر؛ ولذا أكد النفي فيه بعد تأكيده أولا بتكرار " لا " كأن نفي نفع الأموال أسهل قبولا من نفي نفع الأولاد، ولذا زاده توكيدا بعد توكيد؛ وإن أولئك الكافرين إذا كانوا قد حرموا نفع الأولاد والأموال، ولم يستبدلوا برحمة الله شيئا، فلهم مع ذلك عذاب شديد، ولذا قال سبحانه بعد ذلك:

الصفحة 1120