كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

(قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنهم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) هذه الآية نزلت بعد غزوة بدر، فالفئتان المشار إليهما في الآية: المسلمون، والمشركون. والمسلمون الفئة التي تقاتل في سبيل الله، أي في سبيل إعلاء كلمته وطلبا لمرضاته، والأخرى الكافرة: المشركون. والمعنى على هذا أن الله سبحانه إذ ينذر الكافرين بأنهم سيغلبون في الدنيا، ينذرهم بما قامت عليه البينات، وظهرت به الأمارات، وذلك لأن لهم آية أي أمارة ودلالة تدل على صدق ما يوجهه النبي - صلى الله عليه وسلم - من أنهم سيغلَبون، وتلك الآية الدالة على صدق ذلك التهديد والإنذار الشديد هي في حال الطائفتين اللتين التقتا في حرب قوية، إذ انتصرت الفئة التي تقاتل في سبيل الله وهي القلة، على الفئة الكافرة وهي الكثرة، ومع أن أولئك الذين يقاتلون في سبيل الله كانوا يعلمون أن أولئك أكثر عددا، وأكثر عُدَّة.
ونريد أن نبحث هنا في بعض الألفاظ التي لها إشارات بيانية:
فقوله تعالى عن الفئة الكافرة: (وَأُخْرَى كَافِرَةٌ) فيه إشارة إلى بُعد ما بين الفريقين من حيث الغاية من القتال، ففيه إشارة إلى تقدم الأولى معنويا، وتأخر الثانية؛ فالأولى تقاتل لَا لعرض من أعراض الدنيا، ولا لغاية مادية مبتغاة، بل للحق، وفي سبيل الحق، ومرضاة للحق جل جلاله، والأخرى تكفر بكل هذه المعنويات فتقاتل في الباطل وللباطل ولنصرة المادة، ولأعراض الدنيا، وفرق ما بين الفئتين عظيم، فإن كانت الأولى فقيرة في المال قليلة في العدد، فهي قوية بالمقصد والغاية، والثانية على نقيض ذلك تماما، فهي كثيرة المال وكثيرة العدد، ولكنها فقيرة في الإيمان.
وقوله تعالى: (يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) فيه بيان أن المؤمنين يرون المشركين (مِّثْلَيْهِمْ) أي أكثر منهم مرتين، فالمثل معناه المساوي، والمثلان لأمرٍ ضِعفُه، والمعنى على هذا أن المؤمنين الذين أعطاهم الله ذخيرة من الإيمان واليقين وطلب الحق يرون أعداءهم رأي العين لَا بالوهْم والخيال ضعفهم، ومع ذلك

الصفحة 1127