كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

لم يجبنو ولم يضعفوا فالتعبير بقوله (رَأْيَ الْعَيْنِ) تأكيد الرؤية بأنها رؤية بصرية، لَا رؤية تقديرية؛ فهم يعاينون معاينة لَا لبس فيها ولا غموض أنهم ضعفهم. فالذين يعتزون بالكثرة عليهم أن يعرفوا أي الفريقين غلب، والذين يعتزون بالمادة عليهم أن يعرفوا لمن كانت النصرة: أهي للمادة أم للروح والإيمان؟ فالذين رأوا خصومهم مثليهم هم المؤمنون. وهذا ترجيح ابن جرير الطبري. وقد رجح الزمخشري أن الذين رأوا: هم المشركون، قد رأوا المؤمنين مثليهم. وإن الأول في نظرنا أولى؛ لأن المسلمين في غزوة بدر كانوا فعلا أقل عددا من المشركين، وأقل عدة، ولأن التعبير بقوله تعالى (رَأْيَ الْعَيْنِ) يفيد أن رؤية هذه الكثرة كانت بصرية بالمعاينة، لَا بالتقدير أو التخيل أو التوهم، ولا يمكن أن يتحقق ذلك في رؤية المشركين للمؤمنين؛ لأنه كان يكذب، ولذلك نختار أن الرؤية كانت رؤية المؤمنين للمشركين، ولكن قد ورد اعتراضان: أحدهما: أن المشركين في بدر كانوا ثلاثة أمثال المؤمنين تقريبا ولم يكونوا ضعفهم.
ثانيهما: أن الله سبحانه قد قال في غزوة بدر: (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً. . .) وإن رد الاعتراض الأول سهل؛ فإن العين لَا تقدر تقديرا عدديا، ولكنها تقدر تقديرا تقريبيا؛ فثلاثة الأمثال قد تُرى رأي العين مثلين. وقد يقال إن المراد بكلمة مثلين ليس التثنية إنما المراد مجرد التكرار وذلك استعمال عربي، كما في قوله: (ثم ارْجِع الْبَصَرَ كَرَّتَينِ ... )، فالمراد تكرار النظر، لا التقدير بمرتين اثنتين؛ كذلك هنا المراد التكرار العددي لَا مجرد مثلين اثنين، وإن ذلك شائع، فيقال مثلا: اقرأ هذا مرتين ولا تكتف بالنظرة الأولى، والمراد التكرار.
أما الاعتراض الثاني، فقد أجاب عنه ابن كثير في تفسيره المستمد من الأثر، بأنهم عندما أرادوا حسبانهم رأوهم ضعفهم أو يزيدون، فلما ألقى في قلوب الذين

الصفحة 1128