كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)
والتعبير بـ (عَلَى هُدًى) بالتعدية بعلى إشارة إلى العلو على الهدى والتمكن، كما يقال: ركب فلان متن الغواية أو علا على الهداية، فكأنه صار مستمكنا عليها لا يفارقها، ولا تفارقه. فأصحاب هذه الصفات العالية ينالون الهداية ولا يزايلونها، فهم في هداية دائمة مستمرة.
وقوله تعالى: (مِّن رَّبِّهِمْ) معناها أن هذه الهداية جاءتهم من ربِّهم الذي رَبَّهم وكونهم ووفقهم إلى سبيل الخير والعمل الصالح، والإيمان واليقين باليوم الآخر، فإسناد الهداية إلى أنها من الرب الكريم بيان لشرفها واستمرارها مع تمكنهم منها، لأنها من رب هذا الوجود الذي رَبَّهُ ونماه وهذبه وأعلاه.
وهنا إشارتان بيانيتان:
إحداهما: الإشارة بالبعيد لوجود اللام، والبُعد هنا بُعد المنزلة، وعلوها وشرفها، فهؤلاء الأتقياء الأطهار الذين نزهت نفوسهم، وسامتوا (¬1) أعلى العلاء، يشار إليهم بالبعيد إعلاء وتشريفا وتكريما. الثانية: تكرار اسم الإشارة أولئك، ففي هذا التكرار بيان تنويع الفضل الذي حكم الله تعالى عليهم، فهو قد حكم سبحانه وتعالى عليهم حكمين كريمين أولهما: الهداية الكاملة الدائمة التي نالوها، وركبوا متنها وعلوا عليها، والحكم الثاني: أنهم ينالون الفوز، والفوز هنا هو الفوز في الدنيا بعلوِّ نفوسهم، واستقامتها، والاتجاه إلى معالي الأمور ورضا الله تعالى، وهو أكبر جزاء، فرضوان من الله أكبر، والفوز في الآخرة بالنعيم المقيم.
وقد أكد سبحانه وتعالى ذلك الفلاح الذي ينالونه بالجملة الاسمية، فالتعبير بالجملة الاسمية يدل على دوام الفلاح، وأنه دائم بدوام من يعطيه، وهو رب
¬________
(¬1) سَامَتَ الشيء: قابله ووازاه وواجهه. [الوسيط - س م ت].
الصفحة 113
5482