كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)

ذكر الله سبحانه وتعالى أعلى صنف في الوجود الإنساني، وهم الذين علوا بنفوسهم وأعمالهم، وذكر في مقابلهم الذين أركسوا أنفسهم في مهاوي الباطل حتى سدت عليهم كل مسالك الإدراك للحق، ثم ذكر من بعدهم الحائرين بين الهداية والضلال، يرون نور الحق ويبصرونه، ثم يتركونه، فيتركون الحق وقد بدت لديهم معالمه، ويتجهون إلى الظلام، وقد أشرق نوره، ولمعت في الوجود شمسه، وأولئك هم المنافقون.
وقد روي عن مجاهد أنه قال: أربعُ آيات من أول سورة البقرة في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة آية في المنافقين (¬1).
وقد تم بيان صفات المتقين، ونبتدئ في آيتي الكافرين، فقد قال:
¬________
(¬1) تفسير القرطبي - تفسير سورة البقرة آية (8).
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تنذِرْهمْ لَا يُؤْمِنونَ).
بين سبحانه الذين يتقبلون هداية القرآن، فينزل على قلوبهم كما ينزل الغيث على الأرض الطيبة، فتنبت أطيب النبات، وتثمر خير الثمر. وهم المتقون الذي جرى في القرآن الكريم في الآيات السابقة وصفهم. والكافرون جاء وصفهم في الآيات الكريمة على نقيض المتقين، إذ إن هؤلاء المتقين امتلأت نفوسهم بالاتجاه إلى ما وراء المادة، فلم يستول على قلوبهم بريق المادة، ولم يستغرقهم سلطانها، بل انفعلت نفوسهم متأثرة بما وراءها متعرفة أسرار الوجود من الموجود، أما الذين كفروا فقد استغرقتهم المادة، وسيطرت عليهم، فلا يفكرون إلا فيها، وفيما تحيط به، والله سبحانه وتعالى خلق كل نفس، وهداها، فإن استقامت في إدراك الحقائق أوصلها إلى الحق، وإن عميت واعوجت ابتداء، فلم تر إلا المادة سارت في طريق غير سوي. والله سبحانه وتعالى يقول: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكم مِنْ بطُونِ أمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمونَ شَيْئًا

الصفحة 115