كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)
فى اللغة أمراضا، كذلك مرض النفاق الذي يصيب النفوس بالوهن والحيرة، والحقد والبغض لخير الناس، وأن يكون صاحب هذا المرض غير مستقر بل هو في بلبال مستمر، تزداد حاله كلما تمكن فيه هذا الداء، وهو ساكن في النفس لَا تخرج مظاهره، وكلما استتر واستكن ازداد قوة وإيغالاً في النفس حتى يصعب علاجه، فإذا كان الكذب المجرد قد يعالج، فالنفاق مرض لَا علاج له.
وكان يراد المجاز بتشبيه النفاق بالمرض العضال الذي لَا يشفى، ومرض النفاق فساد القلب، وقد صور ذلك الزمخشري في قوله: والمجاز أن يستعار لبعض أعراض القلب كسوء الاعتقاد، والغل والحسد، والميل إلى المعاصي والعزم عليها والبغضاء، لأن صدورهم كانت تغلي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، غلا وحنقا، ويبغضونهم البغضاء التي وصفها الله تعالى في قوله: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صدُورهُمْ أَكْبَرُ. . .).
ومن التفسير المأثور أن المرض هو النفاق، وهو مرض إذا أصاب القلب فقد الإيمان بأي شيء من شئون الأخلاق أو الاتصال بالناس، فإنه يصبح في غربة عن أهل الحق وأهل العرفة، والاتصال بهم، فيكون في جو معتم، تسوده الكآبة ولا يظله نور الحق، وذلك شر ما يقع فيه الإنسان.
وإن المنافق إذا أوغل في قلبه النفاق انتقل به من دركة إلى دركة أسفل منها، فيزيد خسرانا بإيغاله. كالسائر في متاهة، كلما أوغل فيها ازداد ضلالا وبعدًا عن الطريق الجدد، حيث الأعلام (¬1). وهذا معنى: (فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا) أي أنهم بسيرهم في هذا الطريق الضال يزدادون إيغالا فيه، فيزيد مرضهم بتقدير الله تعالى؛ لأنهم قد أوغلوا مختارين فيه.
¬________
(¬1) مفرد عَلَم: شيء منصوب في الطريق يهتدي به. [الوسيط ع ل م].
الصفحة 126
5482