كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)

ويتساءل عنه كل أهل العقل والمنطق، ولذلك كان التعميم في (وَإِذَا قِيلَ لَهمْ) قال المخلصون: آمنوا أي صدقوا واعتقدوا الوحدانية، وأن تؤمنوا بالله ورسوله والملائكة والرسل جميعا، (كَمَا آمَنَ النَّاسُ)، و " أل " في الناس للعهد أي الناس العهودين المعروفين، وهم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه المجاهدون الذين أخلصوا دينهم لله.
وعبر عنهم بالناس إشارة إلى أنهم الناس حقا وصدقا الذين بلغوا أعلى درجات الإنسانية بإيمانهم وطهارة نفوسهم، وعظم مداركهم، وإذعانهم للحق إذ دعوا إليه.
ولكن مع جلال ما آمنوا به، وصدقه، استعلى المنافقون بالباطل، وكذلك شأن المنافق يظن أن ما هو عليه من نفاق ومراء هو عين العقل، وما عليه غيره هو عين السفه.
قالوا مستنكرين ما قيل ويقال لهم: (أَنُؤْمِنُ كمَا آمَنَ السّفَهَاءُ) والسفهاء جمع " سفيه "، وهو الأحمق الذي لَا يتخير الأمور، ولا يتعرف أحسنها فيتبعه، وقد ظن المنافقون أنهم أهل الحكمة، فقالوا: (أَنُؤْمِن كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ) وهم في زعمهم محمد وأصحابه، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي أي: لَا نؤمن، ولا نصدق برسالة محمد إلى الخلق، كما صدق محمد وأتباعه، ومن ساروا على منهاجه، وكذلك زين لهم تفكيرهم الفاسد، وغرهم ما كانوا يفترون، ويكذبون به، وتكرر كذبهم، حتى ظنوها الأعلى، وهو الدرك الأسفل، ولقد حكم الله تعالى، وهو الحكم العدل، وهو خير الفاصلين، فقال تعالت كلماته: (أَلا إِنَّهُمْ هُم السُّفَهَاءُ) يقرر الله تعالى الحكم عليهم بالسفه، وجعلهم مقصورين عليه يدورون في إطاره ويسارعون فيه، فهم يخرجون من سفه إلى سفه، ويسارعون في السفاهة، ويسيرون فيها حتى يصلوا إلى الدرك الأسفل منها.

الصفحة 132