كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)

الهدى والضلال في سوف الخير والفضيلة، إنهما لَا يستويان. شبه الله تعالى أولئك المنافقين بحال التاجر الذي يطلب الكاسد يقدم في سبيله الرابح، وهنا يصح أن يكون تخريج الكلام بتشبيه إفرادي، أو استعارة تمثيلية، وعلى الاستعارة الإفرادية يكون تشبيه الضلالة التي يطلبونها بالبضائع المزجاة المردودة الكاسدة، والهدى بالبضاعة الرائجة المطلوبة غير البائرة، وبهذه الاستعارة يكون المعنى أنهم يتركون الطيب المطلوب، ويأخذون بدله الرديء، المردود، فهم الخاسرون لَا محالة؛ لأنهم يأخذون شيئا لَا خير فيه، وفيه فساد كبير، ويقدمون في سبيله أمرا كله خير ونور.
وإذا خرَّجنا على أنها استعارة تمثيلية، فيكون المعنى تشبيه حال رجل في يده هدى ونور وخير وفضل، يتركه ليستبدل به شيئا لَا خير فيه، وفيه فساد وضرر، بحال تاجر يترك البضاعة الرائجة المثمرة إلى بضاعة كاسدة لَا ثمرة فيها. وقد رشح الله في بيان كتابه بأن ذكر ما يقوي الاستعارة بذكر أوصاف للمشبَّه، فقال: (فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتهمْ) أي أنهم في هذه المبادلة المعنوية خاسرون، وليسوا كاسبين لأنهم خسروا الخير وأخذوا الشر، وأي كسب فيها؟! ونسب الربح إلى التجارة، وهي محل التصرف، وذلك تعبير بليغ كقولك: نهار صائم وليل قائم، وذلك من قبل المبالغة في الصوم والمبالغة في الصلاة، وإنما قوله: (فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتهُمْ) مبالغة في نفي الربح وثبوت الخسارة، لمن ترك الهداية وأخذ الضلال.
وقد أكد سبحانه ضلالهم، ونفَى الهداية عنهم كنتيجة لهذه المبادلة الخاسرة فقال: (وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) لأن نفوسهم أركست ذلك الإركاس، وفسدت ذلك الفساد، ما كان من شأنهم أن يهتدوا أبدا، فنفَى عنهم الاهتداء نفيا مؤكدا بالجملة الاسمية، وبكلمة كانوا الدالة على الدوام والاستمرار، فليس من شأن من كانت هذه الحال حاله أن يهتدي أبدا، لأن الشر قد استمكن من نفسه وأظلمت واربادَّت بالضلالة حتى إنه لَا منفذ لنور يدخلها أبدا.

الصفحة 140