كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

الآباء إذا افترقوا عنها، فكما أن الرجل لَا يحل له أن يرث حق تزويج زوجة أصله كذلك لَا يحل له أن يتزوجها. وقد ابتدأ بهذا النوع من التحريم لتناسبه مع منعِ ميراث حق التزويج للنساء. ولذلك قال سبحانه:
(وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ).
كان فاشيا بين العرب في الجاهلية أن يتزوج الرجل امرأة أبيه إذا مات عنها أبوه، وكان ذلك يؤدي إلى منعها من حرية الاختيار في الزواج، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك في الماضي من الآيات الكريمات، وهنا يمنع تزوج الولد ممن كانت زوجة أبيه، بل ممن كانت زوجة آبائه على وجه العموم، وذلك لأن كلمة " آباؤكم " تشمل كل الأصول من الرجال أي تشمل الأجداد جميعا سواء كانوا من جهة أبيه أم كانوا من جهة أُمه، وذلك من قبيل الإطلاق المجازي.
والنكاح هو عقد الزواج، وهو لَا يستعمل في القرآن إلا على الزواج، وقد يطلق على المباشرة نفسها، ولكنه لم يطلق في القرآن إلا على العقد، ولذلك قال الشافعي وكثيرون من الفقهاء، إن النكاح حقيقة في العقد، وإذا أريد به المباشرة كان ذلك مجازا من قبيل إطلاق السبب وإرادة المسبب، وذلك أنه لَا يكون إلا في المباشرة الحلال، والحنفية قالوا إنه حقيقة في المباشرة مجاز في العقد. والذي يتفق مع تعبير القرآن هو رأي الشافعي.
ولما كان ذلك النوع من الزواج كثيرا في الجاهلية، وربما وقع فيه بعض المؤمنين في الجاهلية قبل الإسلام، أشار سبحانه إلى أن ما كان في الجاهلية هو موضع عفو لَا يعاقب الله تعالى عليه، ولذا قال سبحانه: (إِلا ما قد سلف) أي أنكم لَا تؤاخذون على ما قد مضى منكم في الجاهلية، والاستثناء هنا منقطع، و " إلا " بمعنى " لكن "، والمعنى: لكن ما قد سلف لَا تؤاخذون عليه، والله يعفو عنكم، وهو ينتهي بهذا التحريم، فمن كان متزوجا ممن كانت امرأة أبيه، فإنها حرام عليه من وقت نزول ذلك النص الكريم، وعفا الله عما سلف، ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام.

الصفحة 1627