كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

تعالى: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا. . .). وقال تعالى: (وَفَإِذَا أُحْصِنَّ. . .)، أي تزوجن، و " أُحْصِنَّ " زُوِّجن، والحَصَان في الجملة المحصنة إما بعفتها أو بتزوجها أو بمانع من شرفها وحريتها).
وبهذا يتبين أن المرأة المحْصَنة هي التي صانت نفسها وتحصنت بحصن الفضيلة والبعد عن الفحشاء، وإحصانها بزواجها، أو بعفافها المجرد، أو بحريتها وشرفها، ولذلك تطلق كلمة المحصَنَات، ويراد بها أحيانا العفيفات، وتطلق بمعنى الحرائر، وفي هذه الآيات استعملت كلمة المحصنات بالمعاني الثلاثة، فقوله (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ) المراد المتزوجات، وقوله تعالى (الْمُحْصَنَات الْمُؤْمنَات)، المراد الحرائر، وقوله (مُحْصَنَاتً غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ)، المراد العفيفات، وقوله تعالى: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْف مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِن الْعَذَابِ) المراد بهن الحرائر.
(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكمْ) المحصنات هنا المتزوجات اللائي يكنّ في عصمة أزواجهن، ويدخل في عموم المحصنات المعتدات، فزوجة الغير ومعتدته لَا تجوز، وتحريمهن ثابت بمقتضى الفطرة والطبيعة الإنسانية، وسنَّة الله تعالى في الخلق والتكوين، ولكن استثني من ذلك الدخولُ بغير الزوجات المملوكات، فإنه يجوز الدخول بهن، والاستثناء هنا منقطع بمعنى لكن،، لأن الكلام في العقد لَا في الدخول، إذ إن قوله تعالى: (حُرِّمتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتكُمْ) إلى قوله: (وَالْمُحْصَنَاتُ) كل هذا في تحريم العقد، لَا في تحريم الدخول فقط، فالاستثناء بعد ذلك في الدخول بملك اليمين، لَا يكون على منهاج الاستثناء المتصل، وقد قرر العلماء أن السبايا اللائي يدخلن في الرق لَا يلتفت إلى زواجهن السابق، بل تصير ملكا يحل للمالك أن يدخل بها بمقتضى الملك، لقوله تعالى: (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)، وهذا متفق عليه، وهو مما ينطبق عليه النص الكريم، فقط ينتظر حتى تستبرئ رحمها من الحمل.

الصفحة 1637