كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

وهناك صورة أخرى قد اختلف فيها الفقهاء، وهي الأمة التي تكون مملوكة ثم عُقِد عَقْد زواجها، وبعد ذلك باعها مالكها: أيلزم المشترى الجديد بهذا الزواج، قال بعض العلماء إنه يفرق بينهما بعد هذا الشراء؛ لأن الذي عقد هو وليها الأول، ولا يلزم بعقده الثاني، وقال بعض الفقهاء: يلزم الثاني؛ لأن الزواج سابق على الشراء، فيكون قد اشتراها ملتزما بما كان من قبل. ويظهر أنه من المتفق عليه أن مالكها إذا زوجها فهو ملزم بهذا الزواج لَا يبطل بإبطاله، لأنه التزم به، فلا ينقض أمرا تم من جهته. ومن المقررات الفقهية أن من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه.
ويتبين من هذا أن الاستثناء الخاص بالدخول بملك اليمين مقصور على حال السبى بالاتفاق، وقد قيل إن الآية نزلت في ذلك، وادعى بعض الفقهاء أنها تشمل حال المشتراة التي سبق زواجها.
(كتَابَ اللَّه عَلَيْكُمْ) جاء هذا النص بعد بيان المحرمات من قوله تعالى:
(حرِّمَتَْ عَلَيْكُمَْ أمَّهَاتُكُمْ) إلى قوله: (وَالْمُحْصَنَات) وكان سياقه لتأكيد التحريم وتوثيقه، و " كتاب الله "، لها في الإعراب تخريجان، كل واحد منهما يشير إلى معنى مستقيم: أولهما - أن يكون (كتاب) مصدر كتب، والمعنى: كتب الله تعالى التحريم كتابا مفروضا بأحكامه عليكم، فليس لكم أن تتخلوا عنه. وثانيهما - أن يكون المراد القرآن، والمعنى: الزموا كتاب الله الذي هو حجة عليكم إلى يوم القيامة، وهو الذي بين شريعة تحريم المحرمات فأطيعوه.
فكلا التخريجين يؤدي إلى توثيق التحريم وتوكيده بنسبته إلى الله تعالى، إما باعتباره كَتَبَه وفَرَضه هو، وإما لأنه نص عليه في كتابه الخالد الباقي إلى يوم القيامة، ولم يترك بيانه لرسول أو نبي.
(وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) في الآيات السابقة بيان المحرمات، وفي هذا النص الكريم يشير بلفظ عام إلى الحلال من النساء، فـ (ما) هنا المراد بها النساء، وقالوا تكون لما لَا يعقل و (من) تكون لمن يعقل؛ وهي هنا لمن يعقل، لأن العموم

الصفحة 1638