كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

فإذا كان الجمع بين الأختين حراما، فأولى بالتحريم الجمع بين البنت ومن هي بمنزلة أمها، وقد انعقد الإجماع على ذلك.
(أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) هذا بيان ضرورة المهر لشرف المحل، ولإعزاز المرأة وتكريمها، ولتستعين به فيما تتأهل به للزواج، ومعنى النص الكريم أن الإحلال يقتضي أن تبتغوا، أي أن تطلبوا الزواج أشد الطلب، وأن ترغبوا فيه أشد الرغبة، متقدمين في ذلك بأموالكم، فإن المال يكون دليل الرغبة.
ثم أشار سبحانه إلى فرق ما بين الزواج والفاحشة، فقال: (مُّحْصنينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) أي ابتغوا الزواج واطلبوه حالة أنكم تحصِّنون به أنفسكم، ونُطَفكم، وتحفظون به أولادكم، فمعنى الإحصان هنا الإعفاف، وما يتضمنه من حفظ النطف والولد. وجعل في مقابل الذين يحصنون أنفسهم ونطفهم الذين يسافحون، والسفاح من سفح الماء أو الدم أساله، ومنه قوله تعالى: (أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا. . .)، والزاني يسفح النطفة ويلقيها ويسيلها على تراب الرذيلة. فالسفاح على هذا إلقاء للنطفة الإنسانية، وهي الجوهر المادي للإنسان، والزواج تحصين لهذه النطفة، ووضع لها في حرْثها الذي أعده الله تعالى لها.
(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) الاستمتاع الاستيلاء على ما فيه متعة وخير ومتاع، وقد كان الرجل في الجاهلية يتزوج المرأة، ويستمتع بها، ثم يتركها خالية الوفاض (¬1)، فذكر الله تعالى ضرورة إعطاء المهور التي فرضت وقدرت وقت العقد، وقد سماها الله تعالى هنا أجرا، والأجر هو الجزاء على ما قدم الإنسان من عمل، وقد يطلق على معنى العطاء، كما هو ظاهر قوله تعالى: (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنون)؛ لأن اقتران كلمة الأجر بعدم المَن يرشح لأن يكون المراد بها العطاء، إذ هو الذي يجري فيه المن والأذى، وعلى أي حال فإن الظاهر في كلمة الأجر هنا هو الجزاء، وقد يقال: لماذا عبر هنا بالأجر، وفي
¬________
(¬1) أصل الوِفَاض الجلدة التي توضع تحت الرحى [لسان العرب - وفض]. فخلوُّها إذن كناية عن الفقر.

الصفحة 1640