كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

وقد كان شائعا بينهم اتخاذ الأخدان، وهو ما نسميه اتخاذ الخلائل، وهذه هي متعتهم، فنهى القرآن الكريم والنبي - صلى الله عليه وسلم - عنها (¬1). وإن الترك مدة لَا يسمى إباحة، إنما يسمى عفوا، حتى تخرج النفوس من جاهليتها، والذين يستبيحونها باقون على الجاهلية الأولى. ومثل ذلك الخمر، فما أبيحت، ولكن تركت عفوا حتى جاء النص القاطع بالتحريم، وابن عباس رضي الله عنه قد رجع عن فتواه، بعد أن قال له إمام الهدى علي كرم الله وجهه: " إنك امرؤ تائه، لقد نسخها النبي - صلى الله عليه وسلم -، والله لَا أُوتي بِمسْتَمْتِعَين إلا رجمتهما " (¬2).
(وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) الجنوح معناه الميل، والجناح الإثم، والفريضة المهر المقدر، والتراضي من بعده إما على زيادته، وإما على نقصه، والمعنى لَا ميل إلى الإثم في الأمر الذي تتراضون عليه من بعد المهر الذي سميتموه وفرضتموه على أنفسكم، وعليكم أن تلتزموا بما التزمتم من بعد العقد، قليلا كان أو كثيرا، مع ملاحظة أن المرأة إذا تركت بعض مهرها من بعد الفريضة فيجب أن يكون ذلك بطيب نفسها، كما قال تعالى: (فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا)، فلابد من طيب النفس، وقد ذكرنا ذلك من قبل.
¬________
(¬1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ، وَعَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ» قال أبو عيسى: «حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»، «وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَيْرِهِمْ» وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْءٌ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي المُتْعَةِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ حَيْثُ أُخْبِرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [الترمذي: النكاح - ما جاء في تحريم نكاح المتعة بل قد روى الترمذي (1122) عَنْ ابْنِ عَثاسِ قَالَ: إئمَا كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِى أوَلِ الإِسلام، كَانَ الرَّجُلُ يَقْدُمُ الْبَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ فَيَتَزَوَجُ الْمَراةً بِقَدْرِ مَا يَرَى أنهُ يُقيمُ فَتَحْفَظُ لَهُ مَتَاعَهُ وَتُصْلِحُ لَهُ شَيْئَهُ حَتَى إِذَا نَزَلَتْ الآيَةُ: (إِلا عَلَى أزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلكت أيْمَانُهُمْ) قَالَ ابْنُ عَباس: فكل فَرْج سِوَى هَذَيْنِ فَهُوَ حَرَامٌ.
(¬2) رواه البيهقي في الكبرى (14362) ج 10، ص 479، كما رواه الطبراني في الأوسط عن محمد ابن الحنفية ورجاله رجال الصحيح. راجع مجمع الزوائد (1937).

الصفحة 1642