كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) المحصنات الحرائر، والفتيات الإماء، فإن الإسلام لا يعبر عن العبد إذا أضيف إلى مولاه بالعبد، بل يعبر عنه بالفتى، وهذا من أدب الإسلام وتكريم الإنسان، ولذا ورد في الحديث الصحيح: " لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي ولكن ليقل فتاي وفتاتي " (¬1). كما نهى النبيّ العبد عن أن يقول: سيدي وسيدتي، بل يقول: مولاي ومولاتي. والطَّول: القدرة والسعة في المال والجسم، ومعنى ملك اليمين، أن تكون في ملكه، وعبر باليمين لإفادة السلطان، فإن يمين الرجل مظهر قوته، وبها يكون الصَّفْق في البياعات، فأضيف الملك إليها لأنها سببه. والآية بمضمونها أفادت أنه لَا يحل الزواج من الإماء إلا إذا لم يكن في طوله أن يتزوج حرة. وقد اختلف الفقهاء في حدود الطول والقدرة، فقال أبو حنيفة: الطَّول أن يكون متزوجا حرة، فمن كان عنده حرة لَا يجوز أن يتزوج أمة، وإن عقد كان عقده باطلا. وقال مالك: الطول السعة والقدرة على المهر والنفقة، فمن عجز عن مهر الحرة ونفقتها وهو قادر على الزواج من أمة فإنه يجوز له زواج الأمة، ولو كانت عنده حرة. وقال الشافعي، وهو قول عند مالك: إنه يجوز له زواج الأمة بشرطين، أحدهما: عدم القدرة على زواج الحرة، والثاني: أن يخشى العنت أي المشقة الشديدة إن لم يتزوجها. وفسر بعض العلماء عدم الطَّول بأن يتعلق بها وتهواها نفسه، بحيث يخشى على نفسه أن يقع معها في زنا إن لم يتزوجها.
واشترط الشافعي ومالك وأحمد لإباحة زواج الأمة أن تكون مؤمنة كنص الآية، وأبو حنيفة أباح الزواج من الأمة الكتابية إن لم يكن عنده حرة. وشدد الإسلام في إباحة الزواج من الإماء لحمل المالكين على عتقهن، فمن رغب في أمة فليشترها، وليعتقها ثم يتزوجها؛ ولأن الولد يتبع أمه في الرق، فلمنع كثرة الرقيق
¬________
(¬1) متفق عليه، رواه البخاري: العتق - كراهية التطاول على العبيد (2552)، ومسلم: الألفاظ من الأدب وغيرها (2249) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ: أَطْعِمْ رَبَّكَ وَضِّئْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي مَوْلاَيَ، وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي أَمَتِي، وَلْيَقُلْ: فَتَايَ وَفَتَاتِي وَغُلاَمِي ".

الصفحة 1644