كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

سبحانه وتعالى بإعطاء المهور، وشدد في ذلك، وقال (بِالْمَعْرُوفِ) أي بالقدر الذي لَا يستنكره العرف، فلا يتخذ من كونها أمة سبيلا لغمط حقها، وتصغير شأنها. وبين أن إعطاء الأجر يكون للأمة نفسها، وهذا يدل على أنها تملكه وهو حقها، وهي تحتاج إليه في إعداد نفسها للزواج، وبذلك يثبت أن العبيد أهل للملكية، وقد أثبتت الملكية للعبيد والإماء - الظاهرية، وذلك ظاهر القرآن الكريم، كما تدل الآية الكريمة، إذ فرقت الآية بين العقد والمهر، فالعقد يتولاه المولى، والمهر تعطاه هي.
- وقوله: (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ) حال من قوله: (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)، وهنا وصف بالإَحصان، أي العفة، الزوجات دون الأزواج، وذلك لأن الزوجات من الإماء، وهن مظنة الانزلاق، إذ الرق والضعف وفقدان الحرية يكون معها الهوان، وحيث كان الهوان كانت الرذيلة قريبة؛ لأنه لَا شيء كالهوان يفتحِ السبيل للشيطان، ولذلك طالبهن الله تعالى وقد كرمهن بالزواج أن يُحَصِّن أنفسهن به، وأن يباعدن السفاح، ولهذا المعنى كانت الجريمة من الإماء أقل شأنا من الجريمة من الحرائر، وكانت العقوبة عليهن أقل. ومعنى اتخاذ الأخدان اتخاذ الخليل الملازم من غير زواج، ولو باتفاق على مهر ونفقة، فالخدن هو الخليل، وهذه هي المتعة التي حرمها القرآن والنبي - صلى الله عليه وسلم -.
(فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) معنى الإحصان هنا الزواج، فمعنى قوله تعالى: (فَإِذَا أُحْصِنَّ) إذا تزوجن.
وجاء الشرط بـ " إذا " الدالة على تحقق الشرط، لوقوع ذلك الإحصان وللترغيب فيه، والفاحشة هنا الزنا، والعذاب هو الحد، والمحصنات هنا الحرائر، وعبر سبحانه في جانب شرط الفاحشة بـ " إن " في قوله (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ)، و " إن " تدل على الشك في وقوع الشرط؛ لأن الفاحشة غير متوقعة وهي أمر منفور منه غير متصور أن يكون مرغوبا فيه، وخصوصا من زوجة حرة أو غير حرة.
ومرمى النص الكريم أن الأمة إذا ارتكبت الفحشاء تكون عقوبتها نصف عقوبة الحرة؛ لأن الجريمة تهون بهوان مرتكبها وتعلو بعلو مرتكبها. وإذا علَتْ

الصفحة 1646