كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

زائدة، وأن النصب بـ " أنْ " المحذوفة، وزيدت اللام لبيان أحكام إرادة الله سبحانه وتعالى في بيان ما يبين توثيق هذا البيان، وهذا ما اختاره الزمخشري في الكشاف - ومنها أن اللام هي الناصبة للفعل، وأنها بمعنى أنْ. فإن اللام قد تقوم مقام أن، وذلك إذا كان الفعل قبلها يدل على الإرادة أو الأمر، ومن ذلك قوله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأفْوَاهِهِمْ. . .)، وفي معناه في نصف آخر: (يُرِيدونَ أَن يُطْفِئوا نُورَ اللَّه بِأَفْوَاهِهِمْ. . .)، وفي الأول ذكرت اللام بدل " أن ". وقوله تعالى: (وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، وفي معنى قريب منه: (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ. . .)، وقوله تعالى: (وَأُمِرْت لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ. . .)، وهذا التخريج الأخير هو عند الكوفيين، والأولان عن البصريين، ونسب ثانيهما لسيبويه. وإن مفعول " يبين " محذوف، وقد دل عليه السياق، والمعنى يبين لكم ما فيه مصلحتكم، وتكوين جماعتكم الفاضلة العفيفة النَّزِهة الطيبة.
وثانيها - قوله تعالى: (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم)، نرى أن " هَدَى " قد تعدت بنفسها هنا، ولم تعدب " إلى " ولا باللام، وإن ذلك جائز، فالفعل " هدى " يتعدى بنفسه كما في هذا النص، وباللام كما في قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا. . .)، وقوله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، ويتعدى بـ " إلى " كما في قوله تعالى: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطِ مُّسْتَقِيمٍ)، وقوله تعالى: (وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مسْتَقِيمٍ)، وقوله تعالى: (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ. . .). وفي الواقع أن اختيار القرآن الكريم للتعبيرات المختلفة من حيث إنه يعبر أحيانا بالتعدية بـ " إلى "، وأخرى باللام، وثالثة بنفسها، يكون لمعان اقتضاها المقام. ويصح أن يقال إنها تعدت هنا بنفسها لتضمنها معنى البيان وقبول الفطرة السليمة لهذا البيان، فمعنى يهديكم سنن الذين من قبلكم: بينها لكم بيانا مشفوعا بالقبول منكم لأنه الفطرة.

الصفحة 1650