كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

أن يشترط لنفسه حق الفسخ، ومن الفقهاء من أباح له الفسخ طول مدة مجلس العقد، ولو أعلن الرضا، وذلك كله للاحتياط، ولكي يكون الرضا على أساس من العلم الصحيح والجزم القاطع، والبَتِّ القائم على بينة ومعرفة.
وهل التراضي أساس حر للتعاقد من غير قيد يقيده إلا التحريم؛ بمعنى أن كل ما يشترط ويتعاقد عليه المتعاقدون يكون حلالا ملزما للعاقدين ولو لم يرد به نص خاص؛. للفقهاء في ذلك منهاجان مختلفان أحدهما: أن التراضي أساس للإلزام والالتزام ولو لم يرد نص لكل عقد وشرط ما دام لَا نص يمنع، فكل ما يشترطه العاقدان ويتراضيان عليه يكون لازما لَا يصح نقضه، إذا لم يكن نص يحرمه، ولقد قال في ذلك عمر - رضي الله عنه -: مقاطع الحقوق عند الشروط. وأكثر الحنابلة وبعض المالكية على ذلك المنهاج. والمنهاج الثاني: أنه لا يلزم من الشروط والعقود إلا ما جاء الدليل على وجوب احترامه، وهذا منهاج الشافعية والحنفية فعندهم لَا يلزم الشرط إلا إذا قام الدليل على وجوب الوفاء به.
والتجارة باب من أبواب الكسب الطيب وفيها فائدة للناس، وهي تنقل ما فيه الحاجة الإنسانية من مكان إلى مكان، وبهذا النقل تتغير قيمة الأشياء، وزيادة القيمة بهذا النقل تقارب زيادة الأشياء بالزرع، وزيادة قيم الأشياء بالتحويل الصناعي، فإن الحديد مثلا إذا تحول إلى آلة زادت قيمته بما زادت الصناعة فيه، فكذلك بنقل البضائع من مكان إلى مكان تزيد القيمة بهذا النقل.
وإن علماء المسلمين كانوا يرحبون بالتجارة التي تنقل البضائع من بلد إلى بلد ومن إقليم إلى إقليم، ولا يرحبون بالتجارة في البلد الواحد؛ لأن هذا ليس فيه طلب للأرزاق، ولأنه قد يؤدي إلى الاحتكار، وقد جاء في القرطبي: " والبياعات التي تحصل بها الأغراض نوعان: تقلب في الحضر من غير نقلة ولا سفر، وهذا تربص واحتكار، قد رغب عنه أولو الأقدار، وزهد فيه ذوو الأخطار.

الصفحة 1657