كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

يقنطوا من العودة إليه سبحانه فقال: (إِن تَجْتَنِبُوا)، والاجتناب معناه البعد، حتى تكون المعاصي في جانب وهو في جانب، ولا يتلاقيا قط، ومعنى التكفير ستر السيئات أو إبعادها وإماطة أذاها عن النفس، فإن التوبة الصادقة النصوح كالماء الطهور تطهر النفس. وفي النص إشارة إلى أن المعاصي قسمان كبائر وصغائر، وسمى الصغائر هنا سيئات لأنها تسوء صاحبها وتؤلمه وتسوء في ذاتها، ولا تتعدى في كثير من الأحيان، وسماها في آية أخرى اللَّمم، فقال تعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْم وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ. . .) أي ما يلم به الإنسان من غير إصرار عليه، ولا استمرار فيه، ومن هذين الوصفين نستطيع أن نعرف صغائر الذنوب بأنها ما تسوء في ذاتها من غير تعد ويرتكبها الشخص من غير إصرار، فإن الإساءة تتعدى وتفحش، وإن كان ثمة إصرار فليست صغيرة.
وبتعريف الصغائر نستهدي إلى تعرف الكبائر، وقد روي في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " اجتنبوا السبع الموبقات "، قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: " الشرك بالله، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات " (¬1)، ولا شك أن هذا الحديث لا يدل على الإحصاء للكبائر، فقد ذكر في أحاديث أخرى أن منها عقوق الوالدين، وشرب الخمر، وقد جاء في حديث آخر أن من أكبر الكبائر الزنا، وأفحشه ما كان بحليلة الجار (¬2). وقد قيل لابن عباس: الكبائر سبع، فقال رضي
¬________
(¬1) متفق عليه؛ رواه البخاري: الوصايا - قول الله تعالى (إن الذين يأكلون أموال (2767)، ومسلم: الإيمان - بيان الكبائر وأكبرها. عَنْ أبِي هُرِيْرَةَ رَضِيَ اللًه عَنْهُ عَنْ النَبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ ".
(¬2) يؤيده ما رواه البخارَى ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ». قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ ". رواه البخاري: تفسير القرآن.

الصفحة 1660