كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

منه ويكون هو قطعة منها وتكون بينهما لُحمة أقوى من لُحمة النسب، إذا أعقبا أولادا يتكونون من أجزائهما، فيريان فيهم شخصيهما قد اندمجا، فكانا ذلك الحي الذي هو خِلْبُ الكبد. وأما وجهتنا في عدم نسخ الميراث بالولاء، فهي أنه لا يوجد دليل ناسخ، وما وجد من السنة هو ظني أولا، والظني لَا ينسخ القطعي، وقد ورد في نسخ الإخاء، وقد حلت القرابة محل الإخاء، والميراث بالولاء لا يتعارض مع الميراث بالقرابة؛ لأنه يكون إذا لم يكن الشخص أحد من الأقارب قط، وبذلك لَا يكون للولاء قوة القرابة، ولكن تكون له قوة الوصية التي تتأخر عن القرابة والزوجية، وإن أقصى ما يدل عليه عقد الولاء أن يقدم على بيت المال، وهو مؤخر عن الوصايا الصريحة إذا كانت لَا تزيد على الثلث، وبذلك تكون النصرة الخاصة مقدمة على النصرة العامة؛ إذ عَقْدُ الولاء سبب للنصرة الخاصة والأمة هي النصير العام، وإن بيت المال يأخذ المال الضائع، وما دام قد جعل المال لواحد من بعده فإنه لَا يعد ضائعا.
(فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) إذا كان توزيع التركات بِجَعْل الله تعالى وتقديره، فيجب أن يؤتى كل واحد حظه منه، إذ هو نصيب لم يكن بمنحة من أحد، ولكن بعطية من الله تعالى، فليس لأحد أن يمنع ذا حق حقه، إذا كان ذلك الحق قد قرره مالك الملك، فلا يجوز للذكور أن يحرموا الإناث من نصيبهم فإن ذلك يكون ظلما مبينا، ولا يجوز للقوي من الوارثين أن يُطَفِّفَ من نصيب الآخرين، كما أنه لَا يجوز لحاكم أن يغير ميراث الله تعالى، ولا أن يمنعه، فكل من ملك مالا أو حقا فلورثته، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من ترك مالا أو حقا فلورثته " (¬1). وقد أكد الله سبحانه وتعالى أمره بمنع الظلم في الميراث بقوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْء شَهِيدًا) أي أن الله تعالى ذا الجلال والإكرام
¬________
(¬1) رواه البخاري الاستقراض وأداء الديون - الصلاة على من ترك دينا (2398)، ومسلم: الجمعة - تخفيف الصلاة والخطبة (867)، وغيرهما ولفظه عَن أبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللًهُ عَنْهُ عَن النَبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " مَنْ تَرَكَ مَالا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَاِلَيْنَا! \ ".

الصفحة 1666