كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

أرحامهن، ولا يعتدين عليه، ولا يضعن في الوديعة التي أودعها الله إليهن ما لا يجوز أن يكون فيها، وقوله تعالى: (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) (ما) إما مصدرية وإما موصولة، والمعنى على أنها مصدرية: حافظات للغيب بحفظه تعالى، أي بالصورة التي حفظ الله بها ذلك الأمر وجعله غيبا مكنونا. وعلى أنها موصولة: حافظات للأمور الغيبية الستورة بالأمر الذي حفظها الله تعالى في تكوينه وشرعه.
والخلاصة على التخريجين أن المرأة الفاضلة الصالحة مع طاعتها لزوجها تحفظ غيبه وستره وعرضه، وقد جاء الوصفان في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " خير النساء من إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته " (¬1).
هذا هو القسم الأول من النساء المتزوجات، والقسم الثاني ما بينه بقوله:
(وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُن وَاهْجُروهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) ذلك القسم هو غير الطائع وغير الصالح بلا ريب، والنشوز خروج الزوجة عما توجبه الحياة الزوجية من طاعة الزوجة لزوجها، وقيامها على شئون بيتها، وأصل النشوز مأخوذ من النشز بمعنى الارتفاع في وسط الأرض السهلة المنبسطة ويكون شاذا فيها، فيكون نشوز المرأة ترفعا أو إعراضا عن الحياة الزوجية الطيبة وشذوذا فيها، وقال سبحانه، (تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ) ولم يقل " ينشزن " للإشارة إلى أمرين: أولهما علاج الداء قبل أن يستفحل، وذلك بأن يكون العلاج عند وقوع بوادر النشوز وظهور أماراته، حتى لَا يصل إلى أقصى درجاته، وهو أن تهجر الزوج، وتخرج من منزله، لأن ذلك العلاج يكون وهي في ظل العُش الزوجي لم تغادره - والأمر الثاني استكثار وقوع النشوز بالفعل، وهو أن تترك البيت على من فيه وما فيه، وكأنه لَا يتصور أن تقع زوجة في ذلك، ولو لم تسم في لغة الشرع زوجة صالحة. وقد ذكر الله لهذا النوع من النساء ثلاثة أنواع من العلاج:
¬________
(¬1) مسند الطيالسي عن أبي هريرة رضي الله عنهما، وروى أبو داود: الزكاة - في حقوق المال (1664) عن ابن عباس مرفوعا.

الصفحة 1669