كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

الضرب بالسواك أو مثله. وهذا هو الضرب المباح، فهو رمز لاستحقاق الضرب، وليس بضرب. وقد نص في مذهب مالك على أن الزوج إذا ظلم زوجته وشكته إلى القاضي، وعظه، فإن تكررت الشكوى حكم لها بالنفقة ولم يحكم له بالطاعة زمنا، فإن شكته بعد ذلك عزره بالضرب ليستقيم، وهذه عقوبات ثلاث تقابل عقاب الزوج لزوجته، ولكنها أشد وأعنف، فالضرب لَا يكون غير مبرح.
(فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) البغي الطلب الشديد، ومعنى النص الكريم: فإن أطاعت الزوجات فلا تطلبوا طريقا من طرق العقاب أيا كان باغين عليهن به ظالمين، والمغزى أن كل عقاب مع الطاعة ظلم وبغى لَا يقصد ولا يطلب، بل يقصد الزوج إلى اسْتِدْنَاء مودتها بالرحمة والعطف والتقريب والتحبب بكل أساليبه. وقد ذيل الله سبحانه وتعالى الآية بقوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)، للإشارة إلى قوته القاهرة، وأنه إذا استعلى الرجل على امرأته فالله العلي الكبير فوقه، وهو مؤاخذه وآخذه بعذاب أليم.
* * *
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)
* * *
هذه حال ثالثة للحياة الزوجية، وهي حال خوف الشقاق، وهي غير حال خوف النشوز، لأن خوف النشوز يكون والزوجة في بيت زوجها له نوع سلطان عليها، وهناك مودة بينهما، فتكون تلك المودة من سبل العلاج، ولذلك كان من العلاج الهجر الجميل، إذ لَا يصلح عقابًا إلا عند قيام المحبة، أما الشقاق فإنه يكون عندما تنشعب المودة، ويكون كل واحد من الزوجين في شق، وهذه حال لَا يتولى إصلاحها الزوج؛ لأن القلوب تنافر ودها، ولهذا كان العلاج لَا بد أن يكون من طريق آخر، وقد بينه الله تعالى بقوله: (فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَأ، والبعث معناه الإثارة، وهو هنا الإثارة مع التخير؛ لأنه ليس كل إنسان يصلح طبيبَا معالجا للنفوس المتنافرة، والحكم من له حق الحكم والفصل، وعمل الحكم يتجه إلى أحد أمرين: أحدهما الإصلاح بينهما ورد النفوس الشاردة إلى مستقر الحياةَ الزوجية، وإن ذلك يقتضي

الصفحة 1671