كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

لله تعالى، وهي بهذا المعنى تشمل العبادات من صلاة وحج وصوم، وصدقات. والصلاة لب العبادة، وهي ذات صور مختلفة في الديانات، ولكنها في صميمها لا تكون صلاة إلا إذا تحققت فيها الضراعة التامة، والاتجاه إلى الله وحده، وعدم الانشغال عنه سبحانه بأي عرض من أعراض الدنيا. وهذه هي العبادات المفروضة، وبعدها يكون الاتجاه إلى الله تعالى في كل مقصد وعمل، ولا يحس بالالتجاء إلا له، فالدعاء له وحده، لَا يشرك معه أحدا في دعائه، ولذلك ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " الدعاء مخ العبادة " (¬1). ويلي هذه المرتبة في سمو العبادة ألا يفعل الأعمال إلا لله، ولا يحب إلا في الله ولا يبغض إلا في الله. وهذه المرتبة يصورها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله " (¬2).
هذه هي العبادة، أو إشارات إلى أنواعها ومراتبها. وإن الأخذ بها يجعل كل الأعمال في دائرة الفضيلة، وينير البصيرة، وإن نقيض العبادة الخالصة لله تعالى الشرك، وهو منهي عنه. وكما أن العبادة مراتب فالشرك مراتب أيضا، أعلاها الشرك الأعظم، وهو اعتقاد شريك لله تعالى في ألوهيته واستحقاقه للعبودية، وهو الذي ذكره الله تعالى في قوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ. . .)، ويليه أن يعتقد أن أحدا ينفع ويضر من دون الله، والالتجاء إلى غير الله والخضوع لغير الله وبغير ما أمر الله تعالى.
والمرتبة الثالثة الإشراك في القُرُبات، بأن يصلي مرائيا، أو يزكي مباهيا، أو يصوم متعاليا، ولا يقصد وجه الله بصومه، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك " (¬3)، ويسمى هذا النوعُ الشركَ الخفي. وقد روى الترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أخوف ما أتخوف
¬________
(¬1) رواه الترمذي: الدعوات عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وقد سبق تخريجه.
(¬2) سبق تخريجه.
(¬3) سبق تخريجه من رواية أحمد عن شداد بن أوس بن ثابت.

الصفحة 1674