كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

أمتي: الإشراك بالله، أما إني لست أقول يعبدون شمسا ولا قمرا ولا وثنا، ولكن أعمالا لغير الله وشهوة خفية " (¬1).
وإن النهي عن الشرك يشمل الإشراك بالله في أي شيء أو أي حال، ولذا قال تعالى (وَلا تُشْرِكُوا بِه شَيْئًا)، أي شيء وعلى أي نحو كان، سواء أكان شركا ظاهرا أم كان شركا خفيا. وإن الإشراك في كل صوره يضعف الضمير، والإيمان بالله يقوي الضمير، وإن أول مظاهر قوة الضمير التي توجدها عبادة الله وحده، البر بالناس، ولذا عقب طلب البر والإحسان بالنهي عن الإشراك فقال تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ) وقد قرن الله سبحانه وتعالى النهي عن الإشراك بالإحسان إلى الوالدين، ومن وليهما، وقد جاء في آيات أخرى ذكر الإحسان بالوالدين فقط بعد النهي عن الإشراك، كما قال تعالى: (وَقَضي رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، لأن أحق من يستحق الإرضاء بعد الله الوالدان، ولا يستحق غيرهما بعد الله الشكر، ولذا قال تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ. . .)، وقال عليه الصلاة والسلام: " رضاء الرب من رضا الوالدين، وسخطه في سخط الوالدين " (¬2)، والإحسان إلى الوالدين بالصحبة الكريمة، وسد حاجتهما، والقول الحسن، وعدم التململ من حياتهما إن بلغا الكبر، وتعبا تعب الشيخوخة، وصارت حياتهما عبئا على أولادهما، ولذا قال سبحانه وتعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24).
والإحسان إلى ذي القربى من هذا الصنف، فعلى القريب أن يحسن بقريبه، بسد حاجته، ويكرم صحبته، ويصله ولو قاطعه، ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ليس
¬________
(¬1) رواه بهذا اللفظ ابن ماجه: الزهد - الرياء والسمعة (4205) عن شداد بن أوس رضي الله عنه.
(¬2) رواه البزار عن عبد الله بن عمرو. الترغيب والترهيب 3/ 221.

الصفحة 1675