كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 3)

إحداهما: من ناحية القرابة، فهو داخل في ذي القربى، والثانية: الجوار، وقد يقول قائل: لماذا أمر بالإحسان به في الجوار مع أنه مذكور في القرابة؟ والجواب عن ذلك أن الجوار قد يوجد احتكاكا، تكون معه الشحناء، فللحرص على بقاء المودة الواصلة، نبّه - سبحانه - إلى أن الجوار يوثق الإحسان ولا يباعده، فهو يجعله أوجب وألزم.
(وَالْجَارِ الْجُنُبِ) هو الجار الذي يكون مسكنه أو متجره، أو مزرعته بجنبك، والإحسان إليه بألا يكون منه أذى له بأي نوع من أنواع الأذى، فلا يزعجه في أمنه، ولا يمنع الماء عنه، ولا يرسل إليه الماء غير الصالح، ويلقى عليه مزابل بيته. ثم من الإحسان به مواساته في شدائده، ومعاونته في حاجاته، وأن يحفظ سره، ولا يكشف عورته، ولا يعلن منه ما يخفى على الناس. ومن الإحسان إليه أن يهدي إليه ما يعجز عن شرائه لأولاده من حلوى وفاكهة ونحو ذلك. وإن الإحسان إلى الجار هو الأمر الذي يدعو إليه التآلف الإسلامي في المجتمعات الصغيرة، وقد أكثر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحث على الإحسان بالجار (¬1).
(وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) هو الصاحب الذي يكون بجنبك في عمل أو سفر، أو طريق، أو مركب، وقد قال جار الله الزمخشري في ذلك: " الصاحب بالجنب هو الذي صحبك بأن حصل بجنبك إما رفيقا في سفر، وإما شريكا في تعلم علم أو حرفة، وإما قاعدا إلى جنبك في مجلس أو مسجد، أو غير ذلك من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه. فعليك أن ترعى ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة إلى الإحسان " وإن من الإحسان إلى الصاحب الذي يكون بجنبك، ألا تؤذيه بمنظر كريه أو ريح كريهة، وأن تحافظ على الحياء في مجلسك،
¬________
(¬1) من ذلك ما رواه البخاري: الأدب - الوصية بالجار (6041)، ومسلم: البر والصلة - الوصية بالجار (2624) عَن عَائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَا زَالَ يُوصينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَى ظَنَنْتُ أنهُ سَيُوَرَثُهُ ".

الصفحة 1677