كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 4)

وقوله تعالى: (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) معناه: وهيأنا للجاحدين لرسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولوحدانية الله تعالى عذابا يهينهم ويذلهم، فإذا كانوا قد استكبروا وطغوا واستعلوا واختالوا في الدنيا، وهي متاع قليل، فالذل الدائم والهوان المستمر لهم في الآخرة.
وتعقيب هذا النص السامي للأوصاف السابقة يشير إلى أن تلك الأوصاف أوصاف الكافرين الجاحدين بنعيم الله، لَا أوصاف المؤمنين المقربين بأنعمه، وقد وصف سبحانه أمثال هؤلاء بقوله:
* * *
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ... (38)
* * *
الرئاء مصدر راءى يرائي مراءاة، ورياء، ورئاء، وهو أن يعمل العمل، أو ينفق المال يظهر للناس أنه يقصد الخير، وهو يقصد بذلك الظهور أمام الناس والشهرة بالخير، وهو من صنف مماثل للبخلاء أو هو منهم؛ لأنه ينفق لنفسه لَا لغيره، فكأن أولئك المختالين الفخورين صنفان: صنف لَا ينفق على الناس قط، ولا يعين بأي نوع من العون في طريق البر، وصنف يعطي في سبل النفع، ولكن لَا يقصد وجه الله تعالى، بل يقصد ما عند الناس، من رجاء مَحْمَدَة، أو تفاخر، أو استعلاء، أو طلب جاه لدى ذي جاه، كأولئك الذين ينفقون النفقات العظيمة، ويتصدقون بالصدقات الكبيرة، تملُّقا لذوي الجاه، أو رجاء لما عندهم، وإن هذا النوع يكون إنفاقه إلى بوار عليه، ولا ثواب عليه، ولو كان من أهل الإسلام.
وقد قال عليه الصلاة والسلام في المرائين الذين ينفقون رياء: " يقول صاحب المال يوم القيامة لربه: ما تركت من شيء تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت في سبيلك، فيقول الله تعالى: كذبت إنما أردت أن يقال جواد، فقد قيل " (¬1)!.
¬________
(¬1) جزء من حديث رواه مسلم: الإمارة - من قاتل للرياء (1905)، والترمذي في الزهد - ما جاء في الرياء والسمعة (2382)، والنسائي: الجهاد - من قاتل ليقال فلان جريء (3137) وأحمد: باقي مسند المكثرين (8078). عن أبي هريرة رضي الله عنه.

الصفحة 1681