كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 4)

وقد ذكر سبحانه بجوار الإنفاق رياءً عَدم الإيمان، فقال في أوصافهم: (وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ) وهذا وصف يعم الذين يراءون، ويشمل الكافرين، وهو حقيقي في الكافرين الذين لَا يذعنون للحق، فيؤمنون بالله واليوم الآخر، ودائم معهم بدوام كفرهم، وبالنسبة للمرائين من أهل القبلة ثابت لهم وقت رئائهم؛ لأن من يتصدق راجيا ما عند العباد من جاه أو ملق أو استعلاء، لا يؤمن بحق الله عليه وقت تبرعه، ولا يؤمن بأن وجه الله هو الذي يقصد، ولا ينظر إلا إلى متاع الدنيا، ولا يؤمن في عمله هذا باليوم الآخر، ولو كان يؤمن بالله في عمله هذا لقصد وجهه الكريم، وما يكون من ثواب مضاعف على فعله، وإن هذا كله من عمل الشيطان.
(وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) الشيطان هنا كل ما يحرض على الشر من وسوسة نفس، وصاحب مفسد، ومن تسلط على عباد الله تعالى لإغوائهم، وفي النص القرآني إيجاز بالحذف معجز، إذ المعنى: وقد دفع هؤلاء إلى الرياء في إنفاقهم وإلى البخل والكتمان قرناء السوء من شياطين الإنس والجن، والقرين هو الصاحب اللازم الذي يخلط نفسك بنفسه، ويقرنها بها حتى تصيرا كأنهما شيء واحد، ومعنى قوله: (وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) من يكن الشيطان صاحبا ملازما له قد اختلط به ومازج نفسه، فما أسوأه من قرين محرض على الشر يدفع إليه بصحبته، وملازمته وإغوائه، والعدوى التي تسري إليه. وفي النص إشارة إلى أن قرناء السوء يفسدون الأخلاق؛ لأن عدوى الأخلاق تصل بالمجاورة كما تصل عدوى الأمراض.
* * *
(وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ ... (39)
* * *
هذا النص توبيخ للذين يؤثرون رضا الناس على رضا الله، فلا يبتغون ما عنده، ويبتغون ما عند الناس، فيراءون ويمنعون الخير لذات الخير. والمعنى: ماذا يكون عليهم من مغبة أو تبعة أو ضرر، لو أنهم آمنوا بالله حق الإيمان وباليوم الآخر الذي يكون فيه الجزاء الحقيقي، ولم يأخذهم زخرف الحياة الدنيا فلا يرعوا سواها؛ إنه لَا ضرر

الصفحة 1682