كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 4)

وإن ذلك نظر حسن يفسره ما نراه للكافرين من نعم مادية في الدنيا تجري عليهم، فلعلها ثمرة لما عملوا من بعض الخيرات في التعاون الإنساني، وثمرة لاتخاذهم أسباب الرزق على وجه كامل.
ويميل الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده إلى أن الكافر إن عمل خيرا يقصد به وجه الله أو سبيل الخير المجردة، لَا يضيعه الله تعالى عليه يوم القيامة، ولكن ينقصبه من سيئاته، غير الكفر والإشراك فإن هذين لَا يكفرهما شيء. ويؤيد نظره هذا بأن الآثار قد وردت بأنه يخفف عن أبي طالب لكفالته النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحمايته له (¬1)، وقد كان في ذلك حماية للدولة الإسلامية.
وقد روى أيضا أنه يخفف عن أبي لهب لعتقه ثُوَيْبَة حين بشرت بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، وأبو لهب هذا هو الذي قال الله تعالى فيه وفي امرأته: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) إلى قوله (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5).
فحسنات الكفار تكفر السيئات التي دون الشرك والكفر، على هذا النظر، فالكفر لَا يغفر، ويذهب من السيئات الأخرى بمقدار الحسنات، ونحن لا نرى في ذلك خروجا عن حكم الإسلام، وهو معقول في ذاته يتفق مع عموم النصوص، وإن كنا نميل إلى الأول.
¬________
(¬1) قَالَ العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: «هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ " [رواه البخاري: المناقب - قصة أبي طالب (3883)، ومسلم: الإيمان - شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب (209). والضحضاح من النار: موضع لَا عمق له يبلغ كعبيه تغلي منه دماغه، كما فسرته الروايات الأخرى في صحيح البخاري.
(¬2) قَالَ عُرْوَةُ، وثُوَيْبَةُ مَوْلاَةٌ لِأَبِي لَهَبٍ: كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا، فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ ". رواه البخاري: النكَاح (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) (5151). وشر حيبة: على أسوأ حالة من الهم والحزن.

الصفحة 1685