كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 4)

فى الآيات السابقات ذكر سبحانه وتعالى كتب اليهود الأولى، وكتب النصارى الأولى التي لم يعرها تغيير وتبديل، وبين أن القرآن هو الحاكم المهيمن على ما جاء قبله من الكتب، وأنه الحاكم عليها، وأنه المتبع ولا شريعة من الله سواه، بعد أن نزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن الذين يتبعون غيره خارجون عن مبدئه، ويبغون حكم الجاهلية، إذ فارق ما بين حكم الجاهلية وحكم العدل هو الحكم بالهوى، وإذا كان ما مضى من آي كريمة قد تعرض لعلاقات الكتب فكان من المناسب أن يبين القرآن الكريم علاقة الجماعة الإسلامية بغيرها من الجماعات اليهودية والنصرانية، فجاء قوله تعالى ناهيا:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ) الأولياء جمع ولي، والولي يطلق بمعنى الودود المحب، أو الصديق، ومن ذلك قوله تعالى: (. . . ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ). ويطلق بمعنى النصير الحافظ، ومن ذلك قوله تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ. . .).
وهو في هذا النص الكريم يجمع بين النصرة والمحبة، والتوفيق والهداية، ويطلق الولي بمعنى من يتولي الأمر، ومن يكون صاحب الولاية، كما قال تعالى: (إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا. . .). وما المراد من اتخاذ الأولياء المنهي عنه في هذه الآية، يفسره الزمخشري بأنه الاستنصار والمودة والمحبة، ونفسره بأن يجعلوا ولايتهم لغيرهم في الانتماء، والنصرة، ويقبلوا أن يكونوا هم أهل ولايتهم التي ينتمون إليها، وينضوون تحت لوائها، فهي مثل قوله تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28).
وهذا الرأي يؤيده ما جاء في سبب النزول، وتذكره كتب التفسير وهو أن بعض الأنصار كان يتولى بعض اليهود لما كان يرى فيهم من عدد كثير، وما عندهم

الصفحة 2239