كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 5)

الإيمان، ممن لم يرشدوا ولم تمس بشاشة الإسلام نفوسهم، ولم تشرب قلوبهم حبه.
ثانيها - التعبير بقوله سبحانه: (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يسَارِعُونَ فِيهِمْ). وفي التعبير السامي، إشارة إلى أن الذين يعطون لهم حق الولاية والنصرة دون المؤمنين، سبب هذا الأمر منهم هو أن في قلوبهم مرضا، ومرض القلوب يكون إما من خور العزيمة، وعدم الإحساس بالقوة الدافعة لأن ينتصروا مما يقع عليهم من أذى، وإما من النفاق.
والمسارعة. المبادرة، وتعدى الفعل هنا بـ " في " مع أن المبادرة تتعدى بـ " إلى "، والحكمة في ذلك الإشارة إلى أنهم لَا يدخلون ابتداء فيهم، بل إنهم فيهم بقلوبهم من قبل، فالمسارعة انتقال من حال إلى حال في صفوفهم أي أنهم منغمرون قيهم دائما، ولا يخرجون عن دائرتهم.
ثالثها - أنهم في مسارعتهم وبقائهم على الولاء لهم والانتصار بهم يقولون بأفواههم: (نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَة). الدائرة ما يصيب الجماعات من شدائد ونوازل بسبب أعدائهم، ويقول الواحدي في أصل معناها: الدائرة من دوائر الدهر كالدولة، وهي التي تدور من قوم إلى قوم، والدائرة هي التي تُخشى كالهزيمة والحوادث، ومقتضى كلام الواحدي أن الدائرة كالدولة، إذ تتداول بين الناس، كما قال تعالى: (. . . وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ).
والدائرة تدور بين الناس والجماعات، بيد أن الدولة تتداول بالقوة والسلطان والعزة، والدائرة تدور بالهزيمة والجائحات، فهي تدور بين الناس من جماعة إلى جماعة، ومن يخشى الدائرة من الجزع والهلع يتوقع الأذى والشر، ولقد قال الشاعر في معنى الدائرة:
ترد عنك القدر المقدورا ... ودائرات الدهر أن تدورا
وإن أولئك المتصفين بهذه الصفات من مرضى القلوب لَا يثقون بنصر الله، أو على الأقل حالهم ليست حال المطمئن إلى نصر الله، لخور نفوسهم، وضعف

الصفحة 2244